...
الفصل السادس عشر: تحول مركز الثقل إلى أواسط الحجاز في مكة ويثرب
من معاني الحجاز فيما ذكرته المعاجم العربية معنى الحاجز بين الغور وتهامة وهو هابط. وبين نجد وهو ظاهر. أي بين السهل الساحلي الموازي للبحر الأحمر فيما يمتد من اليمن جنوبًا إلى خليج العقبة شمالًا، وبين مرتفعات هضبة نجد. وتعتبر سلسلة جبال السراة هي العمود الفقري لهذا السهل, وقد تخللت حافتها الداخلية عدة وديان من أهمها وادي القرى الذى تميزت من مدنه الرئيسية كل من مكة ويثرب، بعد أن ورثت كل منهما نصيبًا مما كانت تنعم به المدن القديمة الواقعة إلى شمالهما مثل: مدين ولحيان وحجر ثمود وحجر الأنباط، ثم مارست كل منهم نهضتها الخاصة فيما بين القرن الخامس وبداية القرن السابع للميلاد.
وتقع مكة في واد شحيح الماء والزراعة أشبه بحوض جبلي تحوطه مرتفعات السراة الجرداء، وتشتد حرارته صيفًا كما يشتد جفافه فيقلل أخطار أوبلة المناطق الحارة على أهله.
وبديهي ألا يكون للتنقيب الأثري دور هام في تتبع ماضي هاتين المدينتين، نظرا لما يحيط بهما من قداسة خاصة وحرمة دينية، الأمر الذي يكاد يقصر مصادر تاريخهما حتى الآن على بعض المأثورات الدينية، والروايات العربية. وبعض الملابسات الخارجية.
وقد خص القرآن الكريم مكة بماض تاريخي بعيد تبعًا لقيام البيت الحرام فيها، والذي قال فيه: {إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكاً وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ}. ويبدو أن قدم هذا البيت لم يبدأ بالضرورة بعهد إبراهيم عليه السلام في حوالي القرن التاسع عشر قبل الميلاد كما افترض بعض المؤرخين ولم يبدأ بالضرورة أيضاً منذ عهد آدم كما ذهبت إليه أقوال بعض المفسرين. وإنما قد يكفي فيه ما ينم عنه ظاهر قول إبراهيم عليه السلام: {رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ