وفي اختلاف هذه الآراء ما يدعو إلى عدم التقيد برأي منها ما إلا بعد تمحيصه ووجود أدلة تؤيده.

وربط القرآن الكريم بين قوم عاد وبين إرم ذات العماد التي لم يخلق مثلها في البلاد. فاعتبر بعض المفسرين والمؤرخين إرم هذه مدينة عظيمة وعينوها بالإسكندرية تارة ودمشق تارة أخرى, واعتبرها بعض آخر قبيلة قوية، وكان من هذا البعض الأخير المؤرخ بن خلدون الذي وجه إلى أصحاب الرأي الأول نقدًا لاذعًا.

وجعل ياقوت إرم جبلًا عظيمًا في ديار جذام قرب العقبة تنمو عليه الكروم وأشجار تشبه أشجار الصنوبر. وذكر الرحالة القزويني أن قوم عاد عاشوا على هذا الجبل الذي أصبح من منازل طي، وكانت توجد عنده بقايا تماثيل كثيرة ومنازل عديدة.

وأدت الكشوف الأثرية الحديثة إلى الكشف عن بقايا عمران متسع فوق وحول جبل إرم هذا بالفعل شرقي العقبة، ومنها معبد أقيم فوق الجبل ترجع بعض نصوصه إلى القرنين الأول والثاني الميلاديين، وأعداد من التماثيل ومن النصب التي تذكر اللات والعزى. وقد لا تتيسر نسبة هذه الآثار إلى قوم عاد بصورة مؤكدة. لولا أن هناك أدلة أخرى تزكي نسبة هؤلاء القوم، قوم عاد إلى شمال شبه الجزيرة العربية أكثر من جنوبها، ومنها أن القرآن الكريم جمع بين عاد وثمود، وثمود شمالية فيما هو شائع، وجعل مواقع عاد قريبة من أهل الحجاز حين نزول القرآن فقال: {وَعَادًا وَثَمُودَ وَقَدْ تَبَيَّنَ لَكُمْ مِنْ مَسَاكِنِهِمْ} وقال: {وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ عَادٍ}.

وربط بعض الشعراء المبكرين بين عاد وثمود، وأطلقوا على ثمود اسم عاد الثانية أخذًا بقول القرآن الكريم: {وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عَادًا الأُولَى} - ولم يعترض عليهم معترض.

هذا وقد ذكر الجغرافي بطلميوس السكندري في القرن الثاني الميلادي اسمين في شمال الحجاز يمكن الربط بينهما وبين قوم عاد، وهما اسم شعب Oaditae الذي يتشابه مع اسم عاد، واسم صلى الله عليه وسلمramaua الذي يتشابه مع إرم ورم وأرام وكلها أسماء تعاقبت لمسمى واحد.

ومال بعض المؤرخين المحدثين إلى تفسير ما تواتر لدى أهل حضر موت عن وجود قبر هود عليه السلام عندهم بأنهم وغيرهم من العرب الجنوبيين كان يعز عليهم أن ظهر الأنبياء بين العرب الشماليين دونهم، فاعتمدوا على وجود اسم

طور بواسطة نورين ميديا © 2015