في تمثيل البلاد الواقعة على جانبي السواحل الجنوبية للبحر الأحمر أمام حليفته الدولة البيزنطية القوية حامية المسيحية في الشرق ووريثة الرومان في السيطرة على سياسته وتجارته.
على أن الجدير بالذكر هو أنه إذا كان ملك الحبشة هذا أو خلفاؤه قد ودوا أن تكون لهم اليد العليا على المناطق العربية الجنوبية، فقد أسلفنا من قبل أن هجرات عربية جنوبية قديمة كانت قد أثبتت وجودها وتأثيراتها في الحبشة، عن طريق استخدام اللغة العربية الجنوبية في نصوصها إلى جانب اللغة الأفريقية، أو مختلطة بها، وكتابة هذه النصوص بحروف المسند العربية. وعن طريق النشاط الاقتصادي الذي جعل لطوائفهم التي عرفت باسم الجعزيين أي الأحرار منزلة مرموقة ومكانة سياسية كبيرة في الحبشة، مع امتداد نفوذهم على أجزاء متفرقة من الساحل الأفريقي.
وعلى أية حال فما لبثت دولة أكسوم أن اضطربت أحوالها في أرضها الأفريقية فانشغلت بنفسها.
وبقيت ملكية سبأ وذوريدان وحضر موت ويمنة العربية قائمة تجاهد في سبيل الاستمرار، ومن أعمال ملوكها إصلاح سد مأرب ثلاث مرات، وفي أولاها أصلح الجزء الأوسط منه عند تهدمه للمرة الثانية المعروفة بعد عام 360م.
وتميز من ملوك العصر أب كرب أسعد الذي مارس الحكم نحو ستين عامًا منذ أن اشترك مع أبيه طفلًا. وعندما استقل بالحكم اشرك معه ولده حسان يهنعم في حوالي عام 400م. وأثرت له جهود لتوطيد الأمن في دولته والسيطرة على طرق القوافل المتجهة إلى الشمال. فكانت له حروب في منطقة معد، ولعلها امتدت أيضًا في نواحي الحجاز من ناحية، وحتى الربع الخالي في أواسط شبه الجزيرة من ناحية أخرى, وكانت قبيلة كندة من أعوانه. وشجعه نجاحه على أن يزيد في ألقابه الملكية عبارة أكد فيها سلطانه على بدو المرتفعات والبراري، فأصبح ملك سبأ وذوريدان وحضرموت ويمنت وأعرب طودم وتهمت. أي وأعراب الجبل وتهامة (أو النجد والسهل) ... ولا تساع أعماله العامة نسبيًا أشاد الإخباريون بذكراه وذكروه باسم أسعد تبع ونسبوا إليه فتوحات واسعة كما أشادوا بقصوره أو حصونه فيما بين ظفار وبين صنعاء.
وأصلح سد مأرب ثانية في عام 449م في عهد الملك شرحبيل يعفور، وزيدت قنواته ودعمت جسوره، ولكن انهار جانب من سد رحب ثانية بعد عملية إصلاحه بعام واحد وأدى ذلك إلى هلع السكان وفرارهم إلى الجبال خوفًا من