رَحَلَ إِلى بَغْدَادَ فَظَهَرَ لَهُ بِهَا الْقَبُولُ عِنْدَ النَّاسِ، وَعَالَجَ بِهَا خَلْقًا كَثِيرًا بِالأَدْوِيَةِ، وَبِعَمَلِ الْيَدِ، ثُمَّ رَحَلَ مِنْهَا إِلَى بِلادِ الْعَجَمِ، وَأَنْفَذَ كِتَابَهُ إِلَيْنَا مِنْ نَيْسَابُورَ بِأَنَّهُ يَقْرَأُ عَلَى الإِمَامِ فَخْرِ الدِّينِ مُحَمَّدِ بْنِ عُمَرَ الرَّازِيِّ، الْمَعْرُوفِ بِابْنِ الْخَطِيبِ.
وَلمُحَمَّدِ بْنِ الْقَاسِمِ خَطٌّ مليحٌ، كتب على الأمين أَبِي الدُّرِّ يَاقُوتً الْمَوْصِلِيِّ زَمَنَ اشْتِغَالِهِ بِالطِّبِّ عَلَى ابْنَ الْهَبَلِ.
[وَتَقَدَّمَ بِعِلْمِهِ عِنْدَ الْمُلُوكِ وَالسَّلاطِينِ، ورغبوا في استخدامه لا سيما فِي دَوْلَةِ الْمَلِكِ الأَشْرَفِ فَإِنَّهُ حَظِيَ لَدَيْهِ وَصَنَّفَ لَهُ كِتَابًا سَمَّاهُ ((الرَّوْضَةَ)) عَلَى وَضْعِ ((كَلِيلَةٍ وَدِمْنَةٍ)) ، وَكِتَابَ ((الْبُلَغَةَ)) . وَمَعَ ذَلِكَ لَهُ مُشَارَكَةٌ قَوِيَّةٌ فِي الْفُنُونِ الأَدَبِيَّةِ وَقَرْضِ الشَّعْرِ. وَلَهُ خَاطِرٌ سَرِيعٌ فِي ارْتِجَالِهِ، وَيَدٌ طُولَى فِي صِنَاعِتِهِ] .
وَقَدْ رَأَيْتُ أَنَا أَبَا الدُّرِّ هَذَا، وَوَرَدَ عَلَيْنَا دُنَيْسَرَ سَنَةَ خمسٍ وتسعين وخمسمئة فِي شَهْرِ رَمَضَانَ، فَنَزَلَ بِظَاهِرِهَا فِي خَدْمَةِ نُورِ الدِّينِ أَتَابِكْ صَاحِب الْمَوْصِلِ، فَقَصَدْتُهُ، وَكَتَبَ لِي خَطَّهُ، وَاسْتَنْشَدْتُهُ شَعْرًا، فَأَنْشَدَنِي: