قدم بغداد، ومدح هارون الرشيد، ومحمد الأمين، والبرامكة، وكان هو وأبو نواس يتهاجيان، وما أمسك واحد منهما عَنْ صاحبه، حتى فرق الموت بينهما.
وَقَالَ المبرد: كان الفضل الرقاشي شاعرا، وكان يظهر الغنى وهو فقير، ويظهر العز وهو ذليل، ويتكثر وهو قليل، فكانت الشعراء تهجوه.
أَخْبَرَنِي أَبُو يعلى أَحْمَد بْن عبد الواحد، قَالَ: أَخْبَرَنَا عبيد اللَّه بْن عثمان بْن يحيى، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن أَحْمَد الحكيمي، قَالَ: أَخْبَرَنَا ميمون بْن هارون الكاتب، عَنِ الجماز، قَالَ: دعا الرقاشي أبا نواس، ولم يكن عنده شيء مهيأ، فتركه في منزله ومضى يصلح له شيئا يغديه به، فأبطأ، فتناول أَبُو نواس جزازة وكتب فيها:
حي رسم الغنى وأطلال حسن الحال أقوين مذ سنين ودهر
ثاويات ما بين دار لقيط لا يجاوزنها فكتاب بحر
فحذاء الصَّبَّاغ من دار حسان إلى الجدول الذي استن يجري
جادها وابل ملح من الإفلاس يحدوه ريح بؤس وفقر
ترتعي عقر شدة الحال فيها وظبا فاقة وظلمان عسر
ليس في بيتها سوى بيت لبن ذهب السيل منه أيضا بشطر
ليس فيها خلا الرقاشي إنس وكراريس حوله في قمطر
وجزاز فيها الغريب إذا جاع قراه فمال بطنا لظهر
والرقاشي من تكرمه تجزى أمعاؤه بإنشاد شعر
أَخْبَرَنِي الْجَوْهَرِيُّ، عَنْ أَبِي عُبَيْدِ اللَّهِ الْمَرْزُبَانِيِّ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ الْفَارِسِيِّ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبِي، قَالَ: حَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي طَاهِرٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَعْقُوبَ بْنِ دَاوُدَ بْنِ طَهْمَانَ، قَالَ: كان أَبُو نواس يهاجي الفضل بْن عبد الصمد الرقاشي، وما أمسك واحد منهما عَنْ صاحبه حتى فرق الموت بينهما، فقال الرقاشي يذكر ادعاءه إلى حكم العشيرة:
نبطي فإذا قيل له أنت مولى حكم قَالَ أجل
ومعاذ اللَّه إن كان لهم لاحقا فالله أعلى وأجل
واضعا نسبته حيث اشتهى فإذا ما رابه ريب رحل
فقال أَبُو نواس فيه:
هجوت الفضل دهرا وهو عندي رقاشي كما زعم المسول
فلما فتشت عنه رقاش ليعلم ما تقول وما يقول
وجدنا الفضل أكرم من رقاش لأن الفضل مولاه الرسول
فلو نضح القفا منه بماء بدا النيبوب منه والفسيل
أراد بقوله مولاه الرسول رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لقوله عليه السلام: " أنا مولى من لا مولى له ".