ثم أرتفع أبو تمام بين هؤلاء الثلاثة وقصر عنه المتنبي إلا في الحكم والأمثال والإبداع في وصف مواقف القتال (?) ؛ كذلك يمكن أن ينسب إلى تولع ابن الأثير بالمعاني نفوره من الشئون الشكلية الخالصة مثل محاولات الحريري في التفنن بإيراد لفظة معجمة وأخرى غير معجمة. على نظام مستمر في بعض رسائله، ومثل محاولة شاعر مغربي أن يصنع من القصيدة شجرة يقرا كل بيت فيها على ضروب من الأساليب اتباعاً لشعب تلك الشجرة واغصانها وذلك " ضرب من الهذيان. والأولى به وبأمثاله ان يلحق بالشعبذة " (?) .
النقد الإحصائي والمفاضلة المطلقة
وهذه النزعة أسلمت ابن الأثير إلى نوع من النقد الإحصائي إذ أن عدد المعاني المبتكرة - في المقام الأول - هو الذي يقرر تفوق الشاعر أو الناثر. فلأبي تمام عشرون معنى مبتدعاً أحصاها ابن الأثير، فوجدها أهل صناعة البيان أمراً مستكثراً، ولكن ابن الأثير نفسه عد معانيه المبتكرة (أي معاني ابن الأثير) فوجدها أكثر من ذلك عدداً (?) ؛ وقد مضى ابن الأثير يحكم هذه الطريقة الإحصائية ليجعل منها أهم مقياس نقدي، وقرنها أولاً بالمفاضلة بين المعاني سواء اختلفت أو اتفقت، نعم أن المفاضلة بين المعاني المتفقة أمر سهل، غير أن المفاضلة بين المعاني المختلفة وإن أنكرها بعض النقاد فإنها ممكنة كذلك، ولكنها اعسر وأدق مطلباً (?) ؛ وإذا كانت المفاضلة بين معنيين في بيتين متباعدين أمراً عسيراً فإن الطريقة الإحصائية مسعفة في المفاضلة بين قصيدتين، وذلك بعد الجيد في هذه والجيد في هذه، وكذلك هي مسعفة في المفاضلة بين ديوانين فإذا كان ديوان أحد الشعراء يحتوي