نتائج ولوع ابن الأثير بالمعاني

وقد ترتب على تولع ابن الأثير بالمعاني نتائج هامة في تقييمه للشعر والنثر؛ منها انه لم يعد يطيق قبول المعنى العادي وهو يغربل الشعر بحثاً عن المبتدع، وإذا مر بمعنى عادي حاول أن يسلط عليه تصوره وذكاؤه ليرفع من مستواه، وهذا هو شأنه حين قرا بيت المنخل:

ولقد دخلت على الفتاة الخدر في اليوم المطير ... فإنه لم يرض أن يكون المقصود " باليوم المطير " محض اقتران دخوله على صاحبته بيوم ماطر، وإنما يذهب خاطره إلى ما هو اعمق من ذلك، فان اليوم المطير يمنع الناس من السفر والنقلة، ولهذا أراد الشاعر ان يصور مدى جرأته بهذا القول وهو يومئ إلى انه دخل على تلك الفتاة وزوجها حاضر في البيت (?) ؛ أما إذا كان الشاعر يريد محض نزول المطر فقد " خاب وخسر ". ومن تلك النتائج أيضاً أن ذوقه اخذ ينبو عن الغزل الذي كان يجري بالشكوى العفوية والمعاني الإنسانية العامة، ويرى في توليدات المعاني الغزلية لدى كل من أبي الطيب وأبي تمام ارفع ما بلغه الشعر الغزلي (?) . كذلك فإنه حين وجد أن موضوعات الشعر لدى الإسلاميين ثم لدى المحدثين من بعدهم أكثر اتساعاً من موضوعات الجاهليين، وقدر ان المعاني لديهم أوفر واغزر سقط الجاهليون نسبياً في نظره، واستقر رأيه على أن اعظم شعراء العربية على الإطلاق هم أبو تمام والمتنبي والبحتري، الأولان بسبب المعاني، والثالث بسبب اللفظ، " وهم لات الشعر وعزاه ومناته، الذين ظهرت على أيديهم حسناته ومستحسناته، وقد حوت أشعارهم غرابة المحدثين إلى فصاحة القدماء، وجمعت بين الأمثال السائرة وحكمة الحكماء " (?) ؛

طور بواسطة نورين ميديا © 2015