المعنى هو المقدم في تاريخ الشعر العربي؛ وحديثه عن السرقة
وأما في الوجهة الثانية فإن ابن الأثير سحب إيثاره للمعنى على تاريخ الأدب العربي كله، فتصور أن العرب كانت دائماً وأبداً تهتم بالمعاني، وان الاهتمام باللفظ إنما يدل على تقدير للمعنى، إذ هو محاولة لإبرازه في احسن صورة، يقول: " اعلم أن العرب كما كانت تعتني بالألفاظ فتصلحها وتهذبها فإن المعاني أقوى عندها وأكرم عليها وأشرف قدراً في نفوسها، فأول ذلك عنايتها بألفاظها، لأنها لما كانت عنوان معانيها وطريقها إلى إظهار أغراضها أصلحوها وزينوها وبالغوا في تحسينها ليكون ذلك أوقع لها في النفس واذهب بها في الدلالة على القصد؟ فإذا رأيت العرب قد أصلحوا ألفاظهم وحسنوها ورققوا حواشيها وصقلوها أطرافها فلا تظن أن العناية إذ ذاك إنما هي بألفاظ فقط، بل هي خدمة منهم للمعاني؟ " (?) وقد أدته عنايته بالمعاني إلى أن صنف رسالة في المعاني المبتدعة (?) وألف كتاباً آخر سماه " عمود المعاني " (?) ؛ وخلاصة رأيه في هذه الناحية أن المعنى الذي يتوارد عليه عدة شعراء يدعى " عموداً "؛ ويكون المعنى (أو العمود) ذا شعب، ففي تلك الشعب يتم الانفراد للشاعر الواحد دون سواه؛ فإذا كان المعنى مما استقل بنفسه بحيث لا يستطيع أحد ان يأخذه أو يفرع عليه (أي يقيم له شعبة جديدة) فمثل هذا المعنى لا يطلق عليه اسم العمود، لان صاحبه قد انتهى فيه إلى غايته، ولا تخرج المعاني عن هذين الصنفين (?) ؛ والصنف الأول هو الذي يمكن ان يتحدث فيه الناقد عن سرقة الشعراء بعضهم من بعض؛ وقد جعل ابن الأثير تداولهم للمعاني في ثلاث درجات (?) درجة النسخ ومنها وقوع الحافر أو أخذ المعنى مع أكثر