القاضي الفاضل. ولما كانت طريقته النثرية تعتمد في أساسها كثيراً على حل المنظوم، فإنها تحولت بنقده في وجهتين، أولهما: تقريب المسافة بين الشعر والنثر، والثانية: ملاحقة المعاني ومحاولة تصنيفها وحصر أنواعها.
تقريب المسافة بين الشعر والنثر كما فعل ابن طباطبا
ففي الوجهة الأولى رفض رأي الصابي في التفرقة بين الكتابة والشعر، وكانت تلك التفرقة تقوم في جانب منها على أن الشعراء إنما يشغلون أنفسهم بالوصف والحنين والغزل والمدح والهجاء، وان المترسلين يكتبون في موضوعات أخرى مثل إصلاح فساد أو تحريض على جهاد (?) ، فهو يرد على هذا الرأي وينكره ويرى أن لا فرق بين الشعر والنثر في الموضوع (?) ؛ ولكن الشعر والنثر لا يتطابقان تمام التطابق، بل تبقى بينها مسافة صغيرة تعينها فروق صغيرة أيضاً منها ان المعاني في الشعر أغزر، والسر في ذلك ليس في قصور النثر عن ذلك، وإنما لان الشعر كان اغلب على العرب على مر الزمن، فأودعوه كل المعاني (?) ، ولهذا صح لمن يريد إجادة النثر أن يدرس الشعر أولاً لكي يهتدي إلى المعاني التي ينثرها ويحلها في رسائله وإنشاءه. كذلك فان الشعر قد يتقبل الغريب الحسن من الألفاظ، بينما تجيء تلك الألفاظ نفسها نابية في النثر (?) ، وعلى هذا صاغ ابن الأثير قاعدة عامة للفروق بين ذينك الفنين بقوله: " فأعلم أن كل ما يسوغ استعماله في الكلام المنثور من الألفاظ يسوغ استعماله في الكلام المنظوم، وليس كل ما يسوغ استعماله في الكلام المنظوم يسوغ استعماله في الكلام المنثور " (?) .