المصطلح البديعي وابن أبي الإصبع
وقد اهتم النقد في مصر بتقرير المصطلح البديعي في صورته الواسعة، وكان زكي الدين ابن أبي الإصبع (- 654) صاحب " تحرير التحبير " من فرسان هذا الميدان، ويشبه هذا الكتاب في طبيعة جهده العام كتاب أسامة بن منقذ " البديع في نقد الشعر "، إلا انه يتميز عن كتاب قدامة في أمرين هامين، أولهما: محاولته في التوسع الإحصائي لفنون البديع ابتداءً من ابن المعتز حتى عصر المؤلف، وثانيهما: اتساع مجال المصادر التي اعتمد عليها في تأليف هذا الكتاب، ولذلك يمن ان يكون تحرير التحبير صورة لتطور المصطلح البديعي وللمقارنة بين المصطلحات لدى النقاد على مر الزمن حتى عصر المؤلف، كما انه صورة لجهد المؤلف نفسه في ما استطاع ان يضيفه إلى هذا المصطلح؛ غير أن هذا كله جهد شكلي، كان يوجه النقد إلى مزيد من الوقوف عند الجزئيات، ويعمي طريقه بكثرة المصطلحات، دون ان يضيف إلى حقيقته شيئاً جوهرياً؛ بل أن أسامة بن منقذ كان اكثر وعياً منه بحقيقة النقد حين ختم كتابه بتخليص النصائح التي تنفع الشاعر والناثر؛ من مثل النهي عن التعقيد في المعاني والتقعر في الالفاظ، وترديد ما قاله ابن طباطبا حول نظم الأبيات متفرقة ثم محاولة الربط بينهما، والإلحاح على تهذيب القصيدة أسوة بالحطيئة وزهير، وتخير الأوزان والقوافي الحسنة، وحسن التأتي في الاخذ، ومجاراة قدامة في المدح بالأخلاق دون الصفات الجسمانية، وتفصيل المدح على قدر الممدوح، وإجراء الملاءمة بين المعاني والألفاظ، قال: " واعلم ان محاسن الشعر ثلاثة: التطبيق والتجنيس والمقابلة، ومحاسن المعاني ثلاثة: الاستعارة والتشبيه والمثل " (?) - أمورا ليست سوى تكرار لكثير من المواقف والآراء القديمة التي مررنا بها، ولكنها تشعرنا أن أسامة حين استعمل كلمة " نقد "، كان يدرك ان لهذا بعداً آخر غير المستوى البديعي. غير أن لابن أبي الإصبع كتاباً أشد صلة بالنقد من تحرير التحبير