كتابه خضوعاً لمنهجه العام وتقسيماته، وكان لابد من رصدها وجمعها معاً في نطاق واحد لسهل الرؤية على القارئ؛ ومنها أن كثيراً من الأمور التي عرض لها حازم جزئيات تتصل بعلم البلاغة، وكان من اللازم عند بناء نظرية نقدية متكاملة له أن ننحي تلك الأمور جانباً. وان نخلص المادة النقدية، مما يحيط بها من شئون عارضة. وبعد ذلك كله يمكننا أن نسأل: ما هو موقف حازم - أو دوره - في تاريخ النقد العربي؟
شمولية النقد عند حازم
أول ما يلاحظه الدارس لنقد حازم هي تلك الصفة الشمولية التي تميزه عمن جاء قبله من النقاد، ذلك انه حاول أن يفيد من الاتجاه الفلسفي المبني على كتاب أرسططاليس، ومن آثار النقاد العرب سواء منهم من تأثر بالثقافة اليونانية أو لم يتأثر، وان يجيب على أكثر المشكلات الهامة التي عرضت للنقد الأدبي على مر الزمن، من خلال منهج قائم على نوع من المنطق الخاص بصاحبه، ولكنه منهج شمولي أيضاً لا يغفل أبداً ثلاثية هامة كان النقاد يكتفون بالنظر إلى واحد دون الآخر من أضلاعها، وتلك هي (الشاعر والعملية الشعرية والشعر "؛ وقد أولى حازم هؤلاء الثلاثة عناية متساوية على وجه التقريب، فاستطعنا أن نجد لديه بحثاً عن " القوى النفسية " التي لابد منها لقول الشعر، صحيح إنه لم يستعمل لفظة " الخيال " كثيراً، ولكن ما كان بمقدوره أن يفعل ذلك حين أتخذ لفظة " التخييل " صنواً للمحاكاة، وبهذا البحث في القوى النفسية استطاع حازم أن يربط بين الفاعل (أو العلة) والنتيجة. وبينا كان منهج حازم يوحي بأنه امرؤ موغل في العقلانية نجد آراءه في النقد تبعد كثيراً عن هذه الصنعة (إلا أن يتورط فيها عفوراً بتأثير من قدامة) إذ نراه يرد الشعر إلى العوامل النفسية دون غيرها، ولا يغيبن عن البال أن استعماله لكلمة " فكر " أحياناً لا تعني الدلالة العقلية، فإن اهتمامه " بالمعاني الجمهورية " هو تأكيد للعلاقة القائمة بين الشاعر وعالم