من العلوم والصناعات والمهن، وبعض هذه قد يكون معروفاً عند الجمهور كالأغراض المستمدة من المهن، ورغم ذلك لا يحسن إيرادها في الشعر، كما أن بعض المعاني التي لا يعرفها الجمهور، وإذا كان تعريفهم بها ممكناً فإنها تظل متعلقة بالإدراك الذهني، وهذا النوع المتعلق بالإدراك الذهني لا يصلح للشعر، وأكثر الناس يستبرد وقوع المعاني الذهنية فيه، ولا يوردها في شعره إلا من أراد أن يموه على الناس بأنه عالم شاعر. والشاعر الحق لا يدرج في شعره إلا المعاني التي تحرك الجمهور وتؤثر في النفوس؛ لذلك يمكن القول على وجه الإجمال (مع استثناءين سبقا) إن المعاني الجمهورية هي المادة الأصلية للشعر، وهي التي لا يتألف كلام فصيح عال إلا منها؛ وقد ترد فيها معان أوائل (مقصودة في نفسها) أو معان ثوان (أي استدلالات تقوي المعاني الأوائل) ؛ ولذلك كانت خير التصورات ما صلحت لإيراد النوعين من هذه المعاني متعاقبين، وذلك لا يكون أيضاً إلا بالعودة إلى المعاني الجمهورية القائمة في أصل الفطرة الإنسانية (?) .

التجربة الشعرية تستمد من الحياة وبعضها من الثقافة

مما تقدم يتبين لنا كيف إن حازماً ربط بين الشعر وبين الحياة الطبيعية أو حياة الحس عامة، وانه حاول أن يبعد الشعر عن العلم قدر استطاعته؛ وجعل ينبوع الشعر من حركات النفس، ومصبه النفوس الإنسانية في مدى تقبلها أو أعراضها بحسب الفطرة (أو بقوة الاكتساب الذي يرقى إلى درجة العادة) ؛ ولهذا كان من الطبيعي أن يوجه الشاعر ليستمد معانيه من التجربة الحسية، بحيث ترتسم صور المحسوسات في خياله، ثم يستطيع خياله أن يقيم ضروب العلاقات بينها؛ غير أنه في مقدور الشاعر أن يؤيد التجربة المستمدة من

طور بواسطة نورين ميديا © 2015