الذي لم يصل أحد إلى نهايته " (?) . وبهذه الوقفة من موضوع طال حوله افتراق النقاد حسم حازم الخلاف نظرياً، حين أخرج قضية الصدق والكذب من طبيعة الشعر جملة وركز على أهمية " التخييل ". وأظهر أن الجدل حول هذه القضية إنما كان تجاوزاً عن دائرة " الانفعال " إلى منطقة الدلالات في الأقوال نفسها، وإن النقاد بدلاً من أن يسألوا هل هذا صدق أو كذب كان عليهم أن يسألوا عن " المحاكاة " ومدى تأثيرها.

أقسام المحاكاة وتأثيرها

أطال حازم القول في أقسام المحاكاة بالنظر إليها من زوايا وعلاقات مختلفة. فهي من حيث الغاية مثلاً تنقسم إلى محاكاة تحسين ومحاكاة تقبيح، ومحاكاة مطابقة، وهذه الثالثة ربما كانت في قوة الأوليين. وقد اعتمد في هذا على قول ابن سينا " فظاهر أن فصول التشبيه هذه الثلاثة: التحسين والتقبيح والمطابقة " وهذا إيجاز لقول أرسطو إن الرسام أو الشاعر قد ينقل الشيء كما هو أو أدنى مما هو أو كما يجب أن يكون. ثم تنقسم المحاكاة من جهة ما تخيل الشيء في قسميه، قسم يخيل لك الشيء كما هو في نفسه ومثاله الصورة التي يضعها الرسام أو التمثال الذي ينحته المثال، وقسم يخيل لك الشيء في غيره ومثاله صورة الشيء في المرآة؛ ثم تنقسم المحاكاة بحسب التنوع إلى المألوف والمستغرب، وما يتفرع عن هذين من مقابلات. وهكذا يمضي حازم في القسمة والتفرع ويتطرق إلى أشياء جزئية يستمد من طبيعة التركيب العربي نفسه.

وإذا سلك الشاعر في المحاكاة مسلك التحسين أو التقبيح، فإنه يستطيع أن يحقق غايته - في نظره إلى الشيء أو إلى الفعل أو إلى الاعتقاد - بأربع وسائل:

طور بواسطة نورين ميديا © 2015