فما لها أخمل وما حق مثله أن يهمل؟. هل وصفه إلا الدر المنتظم، وهل نحن ألا نظلم في حقنا ونهتضم؟ يا لله لأهل المشرق قولة غاص بها شوق، ألا نظروا إلى الإحسان بعين الاستحسان، واقصروا عن استهجان الكريم الهجان، ولم يخرجهم الإزراء بالمكان عن حد الإمكان " (?) . وابن دحية ليس من النقاد، وهو مثل الشقندي اعتمد الذوق العام في تدوين ما دونه من شعر؛ ولكن من الطريف أن نجده حين يصف شاعراً بالبراعة في الشعر يقول فيه: " شاعر المغرب الأقصى ومفخره في صناعة المحاكاة والتخييل " (?) فانظر إلى هاتين اللفتين اللتين كانتا من مصطلحات ذوي الثقافة الفلسفية كيف درجتا، حتى ليستعملهما شخص بعيد عن ذلك اللون من الثقافة، وقد مرت بنا اللفظة الثانية منهما عند ابن خفاجة.

ابن سعيد يستمر في الموقف الدفاعي

ولم يكن نقد ابن سعيد (- 685) سوى حلقة تجمع بين موقف الشقندي وابن دحية، فهو تبنى الموقف الدفاعي مثلهما عن الشعر الأندلسي، وإن كان أقل منهما حدة واكثر مجاملة للمشارقة، واقدر على استيضاح الفروق القائمة بين المشرق والمغرب في العادات والتقاليد والأخلاق لطول تمرسه بالرحلة والتنقل، ولهذا كان نقده يرتكز في البداية: على أن الإنصاف لا يقصر الفضل على مصر دون مصر، كما انه لا يقصره على مصر دون عصر (?) (وكان هذا الشق الثاني من القاعدة قد أصبح تكأة للشق الأول وحسب) ؛ ولهذا كان ابن سعيد أول وصوله إلى مصر والشام معنياً بتعريف الناس فيهما إلى أدب الأندلس، ومن اجل تلك الغاية ألف المغرب في برنامجه ليكون تاريخاً أدبياً للشرق والغرب على السواء، فألف " المشرق في

طور بواسطة نورين ميديا © 2015