ورفض ما رفضوه، ومدى تأثيرهم في توجيه الذوق المعاصر حينئذ أو في توجههم بقوة ذلك الذوق.
فترة الخوف من الضياع
وقد نسمي هذين العصرين في تاريخ الأدب المشرقي والمغربي فترة الخوف من الضياع، إذا تذكرنا الحروب الصليبية في المشرق، وسقوط كثير من المدن الأندلسية واحدة إثر أخرى في القرن السابع، ثم الموجة المغولية التي ظلت تتدحرج في طريقها حتى أبواب سيناء؛ وفي فترات الخوف من الضياع يكثر التسجيل والتقييد ويقل النقد أو يضعف صوته، وتخمد المعارك الأدبية لالتهاء الناس بمعارك تحدد البقاء أو الفناء. فإذا حدث أن ثارت النزعة الإقليمية في قطر ما واستدعت الجدل والمماحكة ضد نزعة أخرى كان اكبر جهد للنقد إبراز المفاخر، وعلاء شان الحسنات.
أثر الخوف من الضياع في كل من الشعر والنقد
ونجم عن الخوف من الضياع ظواهر أخرى في طبيعة الشعر نفسه: منها الميل إلى الإطالة في مبنى القصيدة والإكثار من الشعر؛ وهذا يقد يفسر باسم الرغبة نفسها في التخليد والبقاء، ولكن له في نظري معنى آخر: وذلك أن شقة البعد بين الشاعر وحماة الشعر ورعاته قد زادت، فأصبح الشاعر يتلذذ من ناحية ويملأ وقت فراغه من ناحية أخرى بمطولات شعرية، وهو يعرف ما قاله ابن رشيق من قبل بان المطولات أكثر إثارة للهيبة في النفوس؛ وكانت التفننات البلاغية التي تكاثرت على مر الزمن قد جعلت تسوق القصيدة في طريقها، بدلاً من أن يظل الشاعر هو الذي يتحكم في بناء قصيدته، فكم من أبيات لم تأت إلا لأن الجناس قد خلقها ومثلها أمام عيني الشاعر جميلة، وزاد القصيدة طولاً انحلال صفة الجزالة، وعجز الشاعر تحت وطأة التلاعب أن يوفر لأبياته الاكتناز والامتلاء؛ أقول هذا في الجملة وأنا أعلم أن استثناءات قد تقع هنا وهناك. وزاد من صفة الجزالة ذوباناً انتشار التصوف ومحاولة الشعر أن يعبر عنه وعن تجارب