النقد في الأندلس
في القرنين السادس والسابع
شيوع المؤلفات الأدبية القائمة على أساس جغرافي
قد رأينا أول التفاتة عارضة إلى الأثر الإقليمي في الأدب إنما وردت عند الثعالبي في اليتيمة، ثم توضحت وأصبحت موضع تساؤل عند كل من عبد الكريم النهشلي وابن رشيق؛ ولا بد ان يكون الموقف الدفاعي عند أدباء الأندلس قد غذى ذلك الاتجاه وساعد على تبلوره في النفوس؛ فوجد الإحساس العميق بالتاريخ الأدبي لكل إقليم على حدة، وأصبحت العناية بالمعاصرين لدى مؤرخي الأدب في المشرق والمغرب ظاهرة كبيرة؛ وسلك المؤرخون للأدب في تواليفهم إحدى طريقين: فإما ساروا على طريقة الثعالبي في تأليف موسوعي يضم اشهر شعراء كل إقليم وأدبائه كما فعل العماد الأصفهاني في الخريدة، وابن سعيد في كتابه المغرب والمشرق، وإما اقتصروا على شعراء إقليم واحد، كما هي الحال في " الجنان " لابن الزبير وهو في شعراء مصر، و " زاد المسافر " لصفوان بن إدريس في معاصريه من الأندلسيين و " تحفة القادم " لابن الابار في شعراء الأندلس بعد فترة صفوان، إلى أشباه هذه المؤلفات - وهي كثيرة العدد - خلال القرنين السادس والسابع. ولكن القاعدة النقدية في هذه الكتب ضعيفة، فهي لا تتجاوز القسمة الجغرافية إلا إلى شيء من التعليقات السريعة؛ فأما أن يدرس العماد الأصفهاني أو صفوان بن إدريس بين النقاد فذلك ما لا يحقق شيئاً واضحاً في تاريخ النقد سوى المسئولية التي قد يتحملها هؤلاء المؤرخون للأدب في إثبات ما أثبتوه