لأنه لا يكف عن النظر إلى غاية أخرى وراء الغاية الفنية، والفخر غاية اجتماعية - في بعض الأحوال.
حطه من شاعرية زهير رد على النقاد الأقدمين
فإذا تحدث عن عيوب زهير عمد إلى كثير مما عده النقاد السابقون نموذجاً في شعره وكشف عما فيه من نقائص، متحدياً بذلك عدداً كبيراً من النقاد، لا ابن رشيق وحده. ونقده لزهير - وإن كانت القاعدة الأخلاقية لم تنتف فيه جملة - يدل على نفاذ بصره إلى مستويات أخرى. فهو ينتقده لأنه عبر عن إصابة المنية للناس بقوله " خبط عشواء " ويقول: لسنا نطالبه هنا بحكم ديني، بل نطالبه بحكم العقل، إذ لو كان ضرب المنية خبط عشواء لمات بعض الناس ونجا بعض، وإنما وقع زهير في الخطأ لأنه رأى بعض الناس يموتون في حال الهرم وبعضهم في حال الشباب فدعا ذلك خبط عشواء، ولكن المنية لا تبقي أحداً إلا وتصيده حين تريد ذلك " ولو أن الرماة تهتدي كاهتدائها لملئت أيديهم بأقصى رجائهم " (?) ؛ ثم أن زهير خالف العادة حين قال: " ومن لا يظلم الناس يظلم " وقد ينقم الضعيف المظلوم من الظالم بالحيلة، وقد يأتي من يغلبه في ظلمه - بظلم اكبر - فيكون سبب هلاكه؛ والنقاد يستحسنون له قوله:
تراه إذا ما جئته متهللاً ... كأنك تعطيه الذي أنت سائله وهل يكون الممدوح ذا نفس سامية إذا كان يتهلل لان يعطى؟ لقد تعارف الناس على إن إظهار التهلل في مثل هذا الموطن سقوط همة وصغر نفس. ثم عمد ابن شرف إلى بيت لزهير جعله قدامة نموذجاً من نماذج المدح الموفق، وهو قوله:
على مكثريهم حق من يعتريهم ... وعند المقلين السماحة والبذل