الجرجاني هنا لم يلمح أن التسكين أيضاً قائم على الحركة، فجلسة البدوي تصور السكون المتحفز - إن صح التعبير، وهيئة المصلوب الساكنة قد تحركت حركة منسجمة حين أصبحت في رأي البصيرة " تمطياً مستمراً "، كذلك فات الجرجاني أن يبين أن الصورتين: المتحركة من سكون أو الساكنة بعد تحرك هي أعمق أثراً في النفس، ومهما يكن من شيء فإن ما لحظه الجرجاني من قيمة الحركة في الصورة يجعل منه ناقداً حصيفاً دقيق الملاحظة قريباً إلى النقد الجمالي الحديث في نظراته.

الغرابة ليست خاصة أزلية

ومما يقوي هذا الحكم أن الجرجاني يؤمن بتجدد الصور وبان الغرابة ليست خاصة أزلية، وإنما هي لون يبوخ مع الزمن ويعتوره الابتذال، يرى الجرجاني ذلك، دون أن يزايله الإيمان بان الصورة هي أساس الشعر بل هي الشعر نفسه، مستشهداً على ذلك بحادثة حسان وابنه، فقد قال ابن حسان لأبيه " لسعني طائر " فقال حسان: صفه يا بني، فقال: " كأنه ملتف في بردي حبرة " فقال حسان: " قال ابني الشعر ورب الكعبة "، فجعل الصورة - أو التشبيه - مقياساً لقوة الطبع وعياراً في الفرق بين " الذهن " المستعد للشعر وغير المستعد له (?) .

كيف يكون الناقد الجمالي عقلانياً؟

وليس من تناقض بين وصف الجرجاني بالعقلانية وانه ناقد جمالي، فهو يتخذ منهجاً عقلياً في إدراك " أسرار " القول البليغ، ولكن منهجه العقلي يختلف عن ناقد عقلاني آخر هو قدامة، ذلك أن قدامة اهتم بالشكل المنطقي في تركيب منهجه وتقسيماته، وليس الأمر دائماً كذلك عند الجرجاني، فان هذا اعتمد فكره في النفاذ إلى بواطن الأمور، فكانت " عقلانيته نوعاً

طور بواسطة نورين ميديا © 2015