الذي يمتحن قواها في تعاطيه هو الفكر والروية والقياس والاستنباط " (?) ، وإيراد هذا الرأي للجاحظ رد ضمني على من أساءوا فهم نظرته في المعاني، حين خيل إليهم انه يعني بالمعاني " المستوى الفكري " في حقائق الحياة.

الجرجاني " عقلاني " في نظريته إلى الجمال

وتتغلب هذه النظرة " العقلانية " على الجرجاني الناقد، فهو من خلالها ينظر إلى الجمال ويزن مقدار التأثير في الفن الأدبي، فأعلى صور التشبيه عنده " أن تجمع أعناق المتنافرات والمتباينات في ربقة وتعقد بين الأجنبيات معاقد نسب وشبكة " (?) لأن ذلك يستدعي من المتفنن دقة الفكر ولطف النظر، والفنان الأصيل هو الذي يتجاوز ما يحضر العين إلى ما يستحضر العقل، ولا يعني بما تنال الرؤية بل يعني بما تعلق بالروية (?) ، وإذا تذكرنا أن لفظة الخيال غير مألوفة في النقد الفكري وحسب، بل ما يتصل بقوة على " الروية " لا ما يتصل بالعمل الفكري وحسب، بل ما يتصل بقوة الحدس وقوة التخيل أو الطاقة التي تجمع بين " غير المتشابهات " أو التي ترى بين شيئين، مشابهة خفية تدق على الروية المجردة وتنأى عنها، ولهذا كان حكمه على التشبيه " أن كل شبه رجع إلى وصف أو صورة أو هيئة من شانها ان ترى وتبصر أبداً، فالتشبيه المعقود عليه نازل مبتذل، وما كان بالضد من هذا وفي الغاية القصوى من مخالفته فالتشبيه المردود غليه غريب نادر بديع، ثم تتفاضل التشبيهات التي تجيء واسطة لهذين الطرفين بحسب حالها منهما، فما كان منها إلى الطرف الأول اقرب فهو أدنى وانزل، وما كان إلى الطرف الثاني أذهب فهو أعلى وافضل، وبوصف الغريب أجدر " (?) .

طور بواسطة نورين ميديا © 2015