ويخلص عبد القاهر من هذا إلى وضع نظريته التي لا يسأم من تردادها في تحديد المراد من النظم فيقول: " وعلم أن ليس النظم إلا أن تضع كلامك الوضع الذي يقتضيه علم النحو وتعمل على قوانينه وأصوله وتعرف مناهجه التي نهجت فلا تزيغ عنها " (?) ، ويؤكد ما تقدم بقوله: " فلست بواجد شيئاً يرجع صوابه - إن كان صواباً - وخطوه - عن كان خطأ - إلى النظر ويدخل تحت الاسم إلا وهو معنى من معاني النحو قد أصيب به موضعه ووضع في حقه أو عوامل بخلاف هذه المعاملة، فأزيل عن موضعه واستعمل في غير ما ينبغي له " (?) ، أي أن من شاء أن يحكم على مدى الصواب والخطأ في النظم فلابد له من أن يعالج قضايا التقديم والتأخير والفصل والوصل والإظهار والإضمار والاستفهام والنفي أو ما أصبح من بعد عبد القاهر يسمى " علم المعاني ". وعند هذا الحد انتهى نظر عبد القاهر في " قضية الإعجاز " لان هذا " النظم " هو أساس الجمال أيضاً في الشعر والنثر، ولم يقل لنا عبد القاهر إلى أي حد سما " نظم القرآن " - كماً وكيفاً - على ما عداه من صور " النظم " الجميل في الفنون الأدبية؛ وبهذه النظرة اتجه عبد القاهر إلى النقد والبلاغة يضع فيهما أحكاماً، دون التفات كثير إلى أن " قضية الإعجاز " تتطلب شيئاً أبعد من حد المشاركة في الجمال المشاع بين صور التعبيرات الأدبية المختلفة.

ولما كانت الآراء النقدية هي ما يهمنا في هذا الفصل فإننا سنتجاوز الأحكام البلاغية الخالصة، لنرى دور عبد القاهر في النقد الأدبي وحده:

طور بواسطة نورين ميديا © 2015