أن ينصف المتنبي من ابن جني فإذا هو يحط عليهما معاً قائلاً: " وما قرأت ديوان شاعر من المحدثين فيه من العيوب ما في شعره، فهلا اقتصدت في هواك وتجملت ولم تودع كتابك من ألفاظك ما يشينك ولا يزينك؟! " (?) وكل هذا يدل على أن المنطلق النقدي لدى الوحيد سواء في رده على ابن جنى أو في محاكمته لشعر المتنبي لم يكن سليماً من الهوى والعصبية؛ ويمكن أن يقال إن الوحيد في منحاه العام ينتمي إلى صف ابن وكيع، حتى لنلمح لديه قضية يشارك فيها ابن وكيع نفسه، فقد اخذ هذا الناقد على المتنبي كراهته للخمر لأنها تذهب باللب " وذو اللب يكره أنفاقه " وإلى هذا ذهب الوحيد أيضاً حين قال: " فإنما العقلاء احتالوا في إنفاق العقل وقتاً ما ليزول عن النفس صقله، فإنه كالحافظ والرقيب يعترض على متبع الهوى، فيثقل على النفس، فاحتالوا في الراحة منه وقتاً ما تخفيفاً عن النفس " (?) .
بعض الإصابة فيما تعقب به ابن جني
ولكن الوحيد قد يحسن شيئاً من الرؤية الصحيحة من خلال هذا الضباب الكثيف، يعينه على ذلك بعض المواضع الواهنة في نقد ابن جني، فعندما امتدح ابن جني خلق المتنبي عارضه الوحيد بقوله: " ليس لذكر الأخلاق ها هنا معنى " (?) ولما ذهب ابن جني يشيد بثناء أستاذه أبي علي الفارسي على المتنبي قال له الوحيد: " النقد لا يحتاج إلى تقليد ولا تساوي الحكايات عند النقد شروري قبيل، فأربع على ظلعك، وأبق إن شئت على نفسك " (?) وعندما حاول ابن جني التوفيق بين بيتين للمتنبي ظنهما متناقضين رد عليه الوحيد بقوله: " هذا يدل على اعتقاده صاحب الكتاب أن على الشاعر أن يساوي