أكل الدهر حل وارتحال ... أما يبقي علي ولا يقيني (?) أما المجلس الثاني - وهو قصير نسبياً - فقد تضمن إلى جانب الحديث في السرقة حديثاً عن الخطأ في المعاني، ومن المضحك أن يقول الحاتمي على لسان أبي الطيب: " من أبو تمام والبحتري؟ ما اعلم أني سمعت بذكرهما إلا من هذه الحاضرة " فيكون المجلس الرابع محاولة لإثبات مدى اعتماده في السرقات على شعر هذين الشاعرين. أما الثالث فيثبت قدرة الحاتمي على تزييف ما يعده أصحاب المتنبي من أبكار معانيه وعلى رده إلى المصادر التي سرق منها؛ وهنا يبلغ الحذق في تبيان السرقة ذروته، ولذا اقتضى المقام شرح نظرية الحاتمي في السرقات ومن ثم جعل المتنبي يحتج عليه بان " كلام العرب آخذ بعضه برقاب بعض. وآخذ بعضه من بعض والمعاني تعتلج في الصدور وتخطر للمتقدم تارة وللمتأخر تارة أخرى. والألفاظ مشتركة مباحة. وهذا أبو عمرو ابن العلاء سئل عن الشاعرين يتفقان في اللفظ والمعنى مع تباين ما بينهما وتقاذف المسافة بين بلادهما فقال: تلك عقول رجال توافت على ألسنتها، وبعد فمن هذا الذي تعرى من الاتباع، وتفرد بالاختراع والابتداع " (?) فيرد عليه الحاتمي بقوله: " أما قولك عن المعنى يعتلج في الصدر فيخطر للمتقدم تارة وللمتأخر أخرى وان الألفاظ مشتركة فليس الأمر كما تخيلته ولا الكلام كله مشترك، ولا أن الأول ليس بأولى به من الآخر، ولو كان كذلك لسقطت فضيلة السابق ولبطلت مهلة المتقدم ولما قدمت شعراء الجاهلية على شعراء الإسلام، وقدم الصدر الأول من الإسلاميين على الصدر الأول من المحدثين؛ وإنما حكم لهم بالفضل وسلم إليهم خصله من اجل ما ابتدعوه من المعاني وسبقوا إليه من الاستعارات وابتكروه من التشبيهات الواقعة والأمثال الشاردة. وذللوه من طرق الشعر

طور بواسطة نورين ميديا © 2015