الخصوم أرادوا تحطيم شعر المتنبي انتقاماً من شخصه وتعاظمه وتعاليه، ولذلك كان اكثر همهم منصرفاً إلى التأكيد على أن شعره " مرقعة " مصنوعة من معاني الآخرين؛ ولم تكن الوسائل النقدية عند الأنصار قد تطورت بما يناسب الجدة التي طلع بها المتنبي على الناس، فاكتفوا إما بتصوير الإعجاب المشدوه أو تفسير المعاني أو الدوران حول حسن الابتداء وحسن التخلص وما أشبه من الأمور الشكلية؛ ولكن الأنصار والخصوم كانوا متفقين على أن المتنبي ليس شاعراً صغيراً. ولذلك يمكن أن يقال إن النقد الذي دار حول المتنبي كان في أكثره هجوماً على المتنبي الإنسان من خلال الشعر؛ وحين شاء هذا النقد أن يحتكم إلى الإنصاف استعار الوسائل القديمة لدراسة ظاهرة جديدة. ولكن لا مجال للإنكار بان النقد في القرن الرابع وما بعده لم ينشغل بشيء انشغاله بالمتنبي وشعره. ولولا إحساس النقاد بكبر الظاهرة. لما وجدت في نفوسهم ذلك الصدى البعيد. فلنتقدم لدراسة هذا النقد في القرن الرابع، في هذا المقام، على أن نولي ما ظهر بهد هذا القرن ما يستحقه من العناية اللازمة حين يرد في موضعه من هذا السياق التاريخي.
محمد بن الحسن بن المظفر الحاتمي (- 388)
نظرة عامة إلى جهد الحاتمي في النقد
كان النقد ميدانه الاكبر، ومعقد جهده الأعظم، فلم يكن جهده فيه قاصراً على المتنبي، ولكن ظهور المتنبي في العراق بعد مغادرته مصر، أثار لديه نحيزته الهجومية، إذ كان طبعه النقدي ينقدح الاحتكاك والصراع، ولذلك جاءت آثاره في النقد متفاوتة تتراوح بين تقرير القواعد ووضع الأصول وبين الحدة الثائرة في تعقب السقطات؛ وفي كلا الطرفين يبدو الحاتمي متفرداً بين النقاد بكثرة الحفظ وتوفر الشواهد، على نحو لا يجاريه فيه معاصروه أو من بعدهم، ولذا كانت نظراته أساساً صالحاً يتعلم منه