- 4 -
المعركة النقدية حول المتنبي
المتنبي في طريقته وشخصه يمثل مشكلة كبرى للنقاد
حوالي منتصف القرن الرابع. ركدت ريح الخصومة حول أبي تمام أو المحدث. ويقبل أبا تمام مثلما يتقبل البحتري، ولكن الظاهرة الجديدة، اعني ظهور المتنبي، كانت مصدر حيرة كبيرة للذوق والنقد معاً. فها هو شاعر يجمع بين القديم والحديث، يجيء بالجزالة والقوة والبيان على خير ما كان يجيء به القدماء، ويغوص على معاني الحياة الإنسانية غوصاً بعيداً، ويضمن شعره فلسفة حياة وثقافة. تنتمي إلى القرن الرابع؛ كذبت المقاييس: أين ما كان يتحدث به الناد عن الصراع بين القديم والمحدث؟ بل أين ما كانوا يتحدثون به من ميل إلى أبي تمام أو نزوع إلى طريقة البحتري؟ إنهم أمام طريقة جديدة قديمة لا ينفع فيها ما اعتمدوه من مقاييس " عمود الشعر ".
وصدم المتنبي الذوق مرتين: مرة بشخصه المتعالي المتعاظم، ومرة بجرأته في الشعر: جرأته التي تركب المبالغة حتى تمس العقيدة الدينية، وتنتحل آراء فلسفية غريبة، وتستخف بأصول اللياقة والعرف في مخاطبة الممدوحين ورثاء النساء. وتتصرف باللغة تصرف المالك المستبد،؟ الخ، ونشبت المعركة بين الأنصار والخصوم، ولكن حصادها كان قليل الغناء، لأن