أن يظهر جانباً من تميز المتنبي. كذلك فإن كل من تأمل الرسالة الموضحة وهي أشد هجوم وجهه الحاتمي إلى المتنبي سيرى أن ذلك الناقد لم يكن غافلاً عن حسنات أبي الطيب. وإن كان مغيظاً منه، أضف إلى ذلك أن الحاتمي عرف بالثلب والشتم (?) . كما عرف به أبو حيان، ولكن ساعات الرضى كانت توجهه وجهة الإنصاف؛ على أنه ليس بمستبعد أن يساء الظن حتى في انتحال الحاتمي للإنصاف؛ فيقرأ الباحث في رسالته خبثاً كميناً. كان يدفعه لفضح المتنبي. في نطاق الحكمة نفسها، وهي ميزته التي كفلت له التفوق على الشعراء.
ونحن إن لم نستطع أن نجد جواباً حاسماً في نسبة هذه الرسالة، لا نستكثر أن تكون للحاتمي، لأنها لا تتطلب من منشئها ثقافة فلسفية واسعة. إذ كل ما تتضمنه أقوالاً حكمية لأرسطو. كانت أمثالها معروفة بين الدارسين في القرن الرابع، ولا تحتوي نظرات فلسفية دقيقة ومثلها منثور في كتب أبي حيان والعامري. وجاويدان خرد لمسكويه، والكلم الروحانية في الحكم اليونانية لأبي الفرج ابن هندو (- 420) ثم تمثلت على نحو أتم في القرن الخامس في كتاب " مختار الحكم ومحاسن الكلم " للمبشر بن فاتك.
على أن إثبات نسبة هذه الأقوال لأرسطو ليس بأسهل من إثبات الرسالة للحاتمي، لا نستثني من ذلك الرسائل المنحولة لأرسطو، إذ مدار الأمر هنا أن نثبت اعتقاد الحاتمي بان ما كان يورده من أقوال إنما كان متصلاً بالمعلم الأول في نظر المثقفين في القرن الرابع. وقد حاولت جاهداً أن أرد هذه الأقوال إلى مظانها فوجدت هذا القول: " روم نقل الطباع عن ذوي