بين الشعر والرسم في المحاكاة
إذن فالشعر (القول الشعري) يقوم على المحاكاة، وهو في ذلك يشبه الرسم (صناعة التزويق) وليس من اختلاف بينهما إلا في مادة الصناعة. ولكنهما متفقان في صورتها وافعالها وأغراضها، " وذلك أن موضع هذه الصناعة الأقاويل، وموضع تلك الصناعة الأصباغ؟ إلا ان فعليهما جميعاً التشبيه (التمثيل) وغرضيهما إيقاع المحاكيات في أوهام الناس وحواسهم " (?) .
أهمية المحاكاة في الشعر
وما دام الشعر يعتمد على المحاكاة فغن المحاكاة والأشياء التي تتم بها تعد أهم عنصر في الشعر، ولو طلبنا تعريف الشعر عند القدماء لكان كما يلي: " وان يكون قولاً مؤلفاً مما يحاكي الأمر وان يكون مقسوماً بأجزاء ينطق بها في أزمنة متساوية "، ففيه أذن عنصران كبيران: المحاكاة ومادتها، والوزن، والثاني اصغر العنصرين، وكل ما قد يضاف من عناصر إلى الشعر بعد ذلك فإنه تحسين فيه يجعله افضل، ولكن تلك العناصر الإضافية لا تعد من صميم ما يتطلبه الشعر (?) .
قيمة الوزن في الشعر
غير أن الشعر إذا خلا من الوزن بطل ان يكون شعراً والأصح أن يسمى عند ذلك " قولاً شعرياً " (?) ؛ على انه قد شاع بين الناس تقديم الوزن، حتى لم يعد بعض الشعراء يبالون ان يكون الشعر مؤلفاً مما يحاكي الشيء (?) ، وكان الفارابي هنا يومئ إلى فقدان فكرة " المحاكاة " عند شعراء العرب وجماهير المثقفين منهم، ويزيد بان العرب اهتموا بنهايات الأبيات أكثر من اهتمام الأمم