أكذبه، وكذا يرى فلاسفة اليونانيين في الشعر على مذهب لغتهم " (?) . وفي هذا يقف قدامة مناقضاً لمبدأ الصدق الذي دافع عنه ابن طباطبا والآمدي، معتمداً في رأيه على نقاد قدماء من العرب وعلى فلاسفة يونان، وإن كنا لا ندري يقيناً إلى أي الفلاسفة يشير.

ويستمر قدامة في تأييده للغلو حتى ولو أفرط فيه الشاعر وجاء بما يخرج عن الموجود (?) ، ولكن من الطبيعي أن نسأل: أليس لهذا الغلو حد يقف عنده، أو بعبارة أخرى هل يبلغ الغلو مرحلة لا يكون فيها مقبولاً؟ لقد تنبه قدامة لهذه المسالة عند حديثه عن عيب من عيوب المعاني سماه " إيقاع الممتنع فيها في حال ما يجوز وقوعه "، وتحديد الممتنع أنه " لا يكون، ويجوز أن يتصور في الوهم " وهو في هذا يختلف عن المتناقض، لان المتناقض لا يكون أبداً. ومن أمثلة هذا الممتنع الذي وضع فيما يجوز وقوعه قول أبي نواس:

يا أمين الله عش أبداً ... دم على الأيام والزمن " فليس يخلو هذا الشاعر من أن يكون تفاءل لهذا الممدوح بقوله: عش أبداً أو دعا له وكلا الأمرين مما لا يجوز، مستقبح " (?) ؛ أقول تنبه قدامة إلى أن حكمه هذا قد يوهم التعارض مع ما سمح به من قبل إفراط في الغلو، فقال: " ونحن نقول إن هذا وما أشبهه ليس غلواً ولا إفراطاً بل خروجاً عن حد الغلو الذي يجوز أن يقع، إلى حد الممتنع الذي لا يجوز أن يقع، لان الغلو إنما هو تجاوز في نعت ما، للشيء أن يكون عليه وليس خارجاً عن طباعه إلى ما لا يجوز أن يقع له، لان الذي كنا كما قلنا إنه جائز مثل قول النمر بن تولب:

طور بواسطة نورين ميديا © 2015