موقف الحاتمي من ابي تمام

وقد كان الآمدي يصلح أن يكون ختاماً لهذا النقد الذي ايستثارته الخصومة حول أبي تمام والبحتري، في القرن الرابع، ولكنا نلتقي بناقد آخر يعد فيما يبدو من أنصار أبي تمام ذلك هو الحاتمي الذي سنقف عند وقفة طويلة حين نتحدث عن المعركة الدائرة حول المتنبي؛ وقد كانت فكرة " الصراع " حول أحد الشعراء خير ما يوجه الطاقة النقدية لدى الحاتمي، ومع أن كتابه " حلية المحاضرة " يمثل إرساء للقواعد النقدية القديمة مع استكثار من الأمثلة، فإنه تعرض فيه لأبي تمام، ذهاباً مع ميله إلى مقارعة الآخرين حول ما يحملونه من آراء.

قال الحاتمي: " وجمعني ورجلاً من مشايخ البصرة، ومن يومى إلى مجلسه بالشعر بعض الرؤساء، وكان خبر ذلك الشيخ سبق إلي في عصبيته للبحتري، وتفضيله إياه على أبي تمام، ووجدت صاحب المجلس يؤثر استماع كلامنا في هذا المعنى، فأنشدت قولاً أنحيت فيه على البحتري إنحاء أسرفت فيه واقتدحت زناد الشيخ به، فتكلم وتكلمت، وخضنا في أفانين من التفضيل والمماثلة، فعلوته في جميعها علواً شهده من حضر المجلس، وكانوا جلة ... وأعيان أهل الأدب بالبصرة، فاضطر إلى أن قال: ما يحسن أبو تمام يبتدئ ولا يخرج ولا يختم، فلو لم يكن للبحتري من الفضل عليه إلا حسن ابتدائه ولطف خروجه وبراعة انتهائه لوجب أن يقع التسليم له، فكيف بأوابده التي تزداد على التكرار حلاوة وجدة، ثم أقبل علي وقال: أين يذهب عنك حسن ابتدائه ... " (?) وأورد هذا الشيخ للبحتري مثلاً على حسن ابتدائه وخروجه وانتهائه؛ " قال ابو علي: وكنت ساكناً إلى أن استتم كلامه، فكأن جماعة أعجبهم ذلك عصبية على أبي تمام، فإني كنت كالشجا معترضاً في لهواتهم، وأسر كل واحد منهم إلى صاحبه

طور بواسطة نورين ميديا © 2015