تمام مثله " (?) ، وفي البكاء على الديار كان حكمه أن البحتري أشعر (?) ، ثم تكون الموازنة في غير أبيات الابتداء، وهكذا في كل الكتاب باباً بعد باب. ومن الملاحظ أن الأحكام أن الأحكام التي لا تعتمد على تعليل كثيرة جداً في هذه الموازنة؛ كما أن الآمدي أحياناً لا يصدر حكماً نهائياً، ويخرج أحياناً عن الحديث في شعر الطائيين - في موضوع ما - إلى الاستشهاد بما جاء في الموضوع لشعراء آخرين؛ وتتخلل أحكامه توجيهات للمعاني، ونقدات لاذعة لأبي تمام كالتي تعرضنا لها من قبل. وموطن الضعف في هذه الموازنة أنها تقوم على تجزئة القصائد، وهي بالعملية الاحصائية أشبه، كما أنها تتحدد بما لمحه الآمدي من مهان وردت في الشعر، وقد تجيء هناك معان لا شركة فيها، وقد يشترك اثنان في موضوع واحد. ثم يكون تناولها له على وجهين شديدي التباعد، فهي عمل لا ينتهي إلى غاية واضحة، كما أنه - حسبما ألمحنا من قبل - مفتعل باجراء موازنة بين شاعرين متباعدين في تصورهما لطبيعة الشعر، ولذلك تبدو أحياناً من قبيل العناء الباطل، فلو فرضنا - وهذا الفرض مستمد من إحصاءات الآمدي - أن للبحتري ابتداءات في ذم الزمان وليس لأبي تمام ابتداء في هذا الموضوع أبداً فما حصيلة ذلك؟ ماذا يمكن أن نقول وراء هذا التقرير؟ وإذا عرفنا أن الموضوعات التي تكافأ فيها الشاعران خمسون، وأن الموضوعات التي رجح فيها ميزان البحتري مائة، فهل معنى ذلك أن البحتري أشعر من أبي تمام؟ إن قضية الموازنة قد اقتضت من الآمدي جهداً في غير طائل، وردته إلى سذاجة المفاضلة مرة أخرى على الرغم من تذرعه بالعلل، ومن احتفاله بالتبويب والتقسيمز إنها إخضاع شيء لا يخضع للإحصاء، ظاهرها منطقي، وأصولها غير معتمدة على منطق، ومن الخير أنها لم تظل كذلك في تاريخ النقد العربي.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015