بصدوفهم عن الشعر المحدث بقوله إن هذا الشعر لم يذلله النقد والرواية، أما الصنف الآخر الذي يعيب أبا تمام فإنهم يفعلون ذلك طلباً للشهرة، أتباعاً لقول من قال: " خالف تذكر " (?) ، وقدم أمثلة مما يعيبونه عليه، ومن ذلك قوله في قصيدة فتح عمورية:
تسعون ألفاً كآساد الشرى نضجت ... أعمارهم قبل نضج التين والعنب وهو مما عابه أيضاً أبن المعتز من قبل فقال: " وقد سبق الناس إلى عيب هذا البيت قبلي وهو خسيس الكلام " (?) ، فدافع عن هذا البيت بأنه إن كان ذكر التين والعنب مما لا يرد في الشعر فقد ورد في شعر أبن قيس الرقيات وغيره، وإن لهذا البيت صلة بما قاله الروم: " أن هؤلاء (يعني جيش المعتصم) إن أقاموا إلى زمان التين والعنب لا يفلت منهم أحد " (?) ، ثم عقب على ذلك بقوله: " ولو وهم أبو تمام في بعض شعره أو قصر في شيء لما كان ذلك مستحقاً أن يبطل إحسانه، كما أنه قد عاب العلماء على امرئ القيس ومن دونه من الشعراء القدماء والمحدثين أشياء كثيرة أخطأوا الوصف فيها؟ فما سقطت بذلك مراتبهم، فكيف خص أبو تمام وحده بذلك لولا شدة التعصب وغلبة الجهل؟ " (?) .
الصولي يستنكر إبراز العيوب وإغفال الحسنات
ومجمل رأي الصولي أن النقد لا يكون بإبراز بعض العيوب والتشهير بالشاعر من أجلها وإغفال ما له من حسنات كثيرة إزاءها؛ فكيف إذا كانت تلك العيوب مجتبلة، ونسبة التقصير إلى الشاعر مفتعلة؛ أبو تمام - في رأي الصولي - مؤسس مذهب سلكه كل محسن بعده فعائبه يكشف عن جهله وحقارة منزله: " وقد كان الشعراء قبل أبي تمام يبدعون في البيت