فحسبنا هذا، لأن الآمدي نفسه لم يكن ممن يقدمون أبا تمام أو يتعصبون له، وموقف أبن عمار هذا مرده إلى الاحتكام للهوى، فقد كان على صداقته لأبن الرومي يعيب شعره ويحمل عليه بشدة، فلما مات أبن الرومي ألف كتاباً في تفضيله وبيان محاسن شعره؛ ومثل هذا الناقد لا يصاب في رأيه من قبل المقدرة على الحكم المصيب وإنما يصاب من قبل العناد والذهاب مع حب المخالفة، وإلا فإن الآراء النقدية التي وصلتنا لأبن عمار - في غير أبي تمام - تدل على قوة النفس ونفاذ في البصر ووضع للحسنة إلى جانب السيئة كقوله في بشار: " بشار أستاذ المحدثين الذي عنه أخذوا ومن بحره اغترفوا وأثره اقتفوا، يأتي من الخطأ والإحالة بما يفوت الإحصاء مع براعته في الشعر والخطب؟ " (?) ؛ وقوله في أبي العتاهية: " كان أبو العتاهية من سوقة الناس وعامتهم، وكان طبعه وقريحته أكثر من أضعاف ما أكتسبه من أدبه واقتناه من علمه، إذ كان في شبيبته بألف أهل التواضع حتى عوتب في ذلك، وقيل أنه كان يحتمل زاملة المخنثين، فقيل له: مثلك يضع نفسه هذا الموضع؟ فقال: أريد أن أتعلم كيادهم وأتحفظ كلامهم، وذلك بين في شعره سيما في النسيب؟ " (?) ، فإن من يضع حسنات بشار إلى جانب سيئاته ومن يلمح أثر الطبقة الاجتماعية في شعر أحد الناس، لا يعد ناقداً سطحياً، يذهب مع التأثر الأول والانطباع السريع.
انتصار الصولي لأبي تمام
وكان موقف بي بكر محمد بن يحيى الصولي (- 335) رداً على أمثال أبن عمار ممن حاولوا أن يغمطوا أبا تمام حسناته، فكتب أخبار أبي تمام، وصدره برسالة إلى مزاحم بن فاتك بين الأسباب التي دعته إلى ذلك، وهو يشكو في رسالته تسور المثقفين من أبناء عصره على ما لا يحسنون، بأدنى طلب وقل حظ من ثقافة، ويعتذر عن العلماء الذين يستشهد أحياناً