الوحدة في القصيدة وحدة بناء

ومن هذا يتضح ان القصيدة قد تتعدد موضوعاتها، وان الوحدة فيها قد تكون وحدة بناء وحسب، فتلك هي الغاية الكبرى من هذا التدقيق في التوالي والتدرج وإقامة العلاقات بين الاجزاء. والصورة الصناعية لا تفارق خيال ابن طباطبا في عمل الشعر، فالشاعر تارة كالنساج الحاذق (?) ، وتارة كالنقاش الرقيق الذي " يضع الأصباغ في أحسن تقاسيم نقشه، ويشبع كل صبغ منها حتى يتضاعف حسنه في العيان " وتارة هو كناظم الجوهر يؤلف بين النفيس الرائق ولا يشين عقوده برص الجواهر المتفاوتة نظماً وتنسيقاً (?) . ومن ثم تصور ابن طباطبا الوحدة في العمل الفني كالسبيكة المفرغة من جميع أصناف المعادن (?) ، حتى تخرج القصيدة كأنها مفرغة إفراغاً؟ لا تناقض في معانيها ولا وهي في مبانيها ولا تكلف في نسجها (?) - صنعة خالصة لا تنبعث فيها حركة من نمو ولا تمازجها حياة عضوية، تلك هي صورة " الوحدة " عند هذا الناقد الذي لا يعرف إلا التأني العقلي الواعي في التقدير والرصف.

مأزق الشعر المحدث، هو السر في اختيار هذه الطريق

هل كان هذا وليد طريقة ذاتية في الشعر؟ هل كان فهماً خاصاً لما أثر عن " عبيد الشعر " امثال زهير والخطيئة من تفضيل الحولي المحكك؟ أكبر الظن انه كان تعبيراً عن أزمة الشاعر المحدث، الذي كان في رأي ابن طباطبا في محنة: " والمحنة على شعراء زماننا في أشعارهم أشد منها على من كان قبلهم لأنهم قد سبقوا إلى كل معنى بديع ولفظ فصيح وحيلة لطيفة وخلابة ساحرة، فإن أتوا بما قصر عن معاني

طور بواسطة نورين ميديا © 2015