ولقد كان من نتائج وفود زرياب وانتشار مستحدثاته الاجتماعية والفنية أن شاع في المجتمع الأندلسي حب الترف والتأنق والأخذ بمتع الحياة، كما شاع كذلك الشغف بالموسيقى والتعلق بالغناء، والتورط أحياناً في اللهو والمجون. وقد ساعد على ذلك تحرر بعض الأمراء في هذه الفترة، مع وفرة الأموال، وانتشار الكروم والترخص في عصر الأنبذة وشربها، ثم كثرة القيان من مشرقيات وإسبانيات، مع وفرة الغلمان وخاصة من الصقالبة (?). ومما لا شك فيه أن هذا الأمر قد أدى إلى نوع من التحلل الاجتماعي وبعض الشرور التي أصابت الإمارة في هذه الفترة.
نتيجة الانفتاح الفكري والاجتماعي الأندلسي على المشرق في هذه الفترة، هبت التيارات المشرقية إلى الأندلس وأثرت في عقلية شعبها. ونرى هناك ظاهرة إقبال الإسبان في هذه الفترة على تعلم اللغة العربية وآدابها وتقليد عرب الأندلس في عاداتهم من مأكل وملبس وأمور اجتماعية أخرى. إزاء هذا الأمر كان لبعض رجال الدين الإسبان موقفٌ مُعادٍ لهذا التيار، أطنبت الروايات الغربية في ذكرها. هذا الموقف تصفه هذه الروايات بظاهرة الاستشهاد أو الانتحار الديني، وانحصرت أهداف هذه الظاهرة التي قامت منذ عام 235 هـ وإلى عام 244 هـ في محورين: الأول - محاولة إعادة بعض من أسلم حديثاً إلى دينه القديم من جديد، والثاني: الطعن بالإسلام ومبادئه وشتم رسول الله علناً في المساجد والساحات العامة. وقد عالجت حكومة قرطبة هذه الظاهرة بحكمة وحنكة فزال خطرها بعد حين (?).
وفي فترة الحرب الأهلية 275 - 300 هـ، ساد المجتمع الأندلسي نوع من الاضطراب بسبب اشتعال نواحي الأندلس بحركات التمرد والتي قاد معظمها المولدون -الذين يحملون عناصر الكره للعرب باستمرار، وكان زعيمهم عمر بن حفصون- وغيرهم، والذين تعاونوا مع الممالك الإسبانية من أجل إسقاط الحكم العربي بالأندلس، فظهرت في المجتمع الأندلسي خلال هذه الفترة ظاهرة الزهد، وتزعمها بعض العلماء والفقهاء وحتى بعض أفراد البيت الأموي أمثال الزاهد أحمد بن معاوية الملقب بالقط، فرابطوا في الثغور احتجاجاً على روح التحلل والفساد التي سادت