يساير حركة الإزدهار الحضاري التي اشتهرت بها بغداد، ففتح أبواب الأندلس أمام التيارات العراقية. بالإضافة إلى بروز مظاهر الترف والرفاه في المجتمع الأندلسي بسبب الإزدهار الاقتصادي الأندلسي، مع الأخذ بنظر الاعتبار إقبال أهل الأندلس على الحياة الفكرية بسبب الاستقرار السياسي وما تبعه من نشاط اقتصادي (?).
ويأتي في مقدمة من اهتموا بالحركة العلمية الأمير عبد الرحمن الأوسط الذي كان عالماً بالشريعة والفلسفة، وقد شبه بالمأمون العباسي في طلبه للكتب الفلسفية (?).
وكذلك ابنه الأمير محمد الذي أنشأ نواة مكتبة القصر، كما أنه أقطع أحد العلماء الوافدين من المشرق إقطاعاً، وعنه روى الحديث (?). وقد ساعد الناس في مسعاهم هذا حصول تطورات ملائمة في عهدهم، منها انتقال صناعة الورق، بعد انتشارها في المشرق، إلى الأندلس وإقامة مراكز لصناعته في مدينة طليطلة وشاطبة (?).
وهناك عوامل عديدة ساعدت على انتقال مظاهر الحضارة العراقية إلى الأندلس في هذه الفترة وهي:
1 - الوفود:
تذكر لنا بعض الروايات أن الأمير الحكم أو الأمير عبد الرحمن الأوسط أرسل وفداً إلى العراق برئاسة العالم عباس بن ناصح لدراسة الآثار العلمية المنقولة إلى العرب عن اليونان واستنساخها له. وبعد رجوع الوفد حمل معه كتاب الحساب الهندي المعروف عند العرب باسم السند هند (?).
وبذلك دخلت الأرقام الهندية الأندلس، ومنها انتقلت إلى أوروبا، ومعنى هذا أن الوفد الأندلسي عرف هذا الكتاب واطلع عليه في العراق. لأن العرب عرفوا في العصر العباسي الأول كتاب السد هانتا في الرياضيات من الهنود، وقد أمر الخليفة المنصور 136 - 158 هـ بترجمته إلى العربية، فترجمه إبراهيم بن حبيب الفرازي، وعرف هذا الكتاب باسم السند هند، وألف الفرازي على غراره كتاباً عرف باسم السند هند الكبير.