الجزيرة الآيبيرية، ولا سيما أن مناطق الجنوب كانت صحراوية لا تشجع على التجارة إليها أو التوغل فيها. يضاف إلى ذلك، أن البربر كانوا على اتصال دائم مع السواحل الاسبانية لقربها، وكانوا أيضاً على علم تام ومعرفة أكيدة بمدى خصب شبه الجزيرة وغناها، وعن خطورة مشاكلها الاجتماعية والسياسية، التي ذكرناها آنفاً، وضعف دولة القوط الغربيين بصورة عامة. ولقد شجعت هذه العوامل العرب والمسلمين على التفكير بفتح إسبانيا، وضمها إلى حظيرة المناطق التي تم تحريرها في المشرق العربي وشمال أفريقيا. أما ما يذكره بعض المستشرقين المغرضين، وما يروجه بعض الكتاب من التلميح إلى أن الدوافع المادية، والغنائم، وحب التوسع هي التي دفعت بالعرب إلى الفتوحات، فأمر لا يؤيده الواقع (?). فلم يكن هدف العرب الكسب المادي، بل كانت لهم غاية نبيلة أهم من ذلك بكثير، وأبعد تأثيراً، ألا وهي نقل مبادئ وقيم السماء السمحة إلى البلاد المفتوحة، والجهاد في سبيل الله من أجل تحريرها. أما الغنائم والمكاسب، فهي تحصيل حاصل، ونتيجة طبيعية من نتائج الحروب التي كانت وما تزال تقوم بين الأمم، فالغالب لا بد أن يستولي على مخلفات المغلوب، ولو أن موقف العرب من هذا أفضل بكثير من مواقف غيرهم من الشعوب، نتيجة لنظرتهم الإنسانية السامية.
لقد تطرقت المصادر التاريخية العربية إلى الأسباب التي أدت إلى الفتح العربي الإسلامي لشبه الجزيرة الآيبيرية، ولكنهم يرجحون السبب الرئيس إلى وازع الانتقام الشخصي، ويسوقون على ذلك قصة أسطورية ملخصها أن الكونت يوليان، أو جوليان Julian حاكم مدينة سبتة قد شجع العرب على الفتح انتقاماً لنفسه من لذريق ملك إسبانيا الذي اعتدى على شرف ابنته. وتروي القصة أنه كانت لجوليان ابنة جميلة، أرسلها جرياً على عادة الأشراف في ذلك الوقت إلى بلاط طليطلة لتتعلم وتتثقف مع بنات الملك.
وقد رآها لذريق وسحر بجمالها، ثم حاول أن ينال منها، ولكنها قاومته ورفضت، فلجأ إلى القوة واعتدى على شرفها برغم إرادتها. وعندما كتبت إلى أبيها بالحادث أسرع بالسفر إلى طليطلة وعاد بابنته إلى سبتة، وهو يضمر الشر والانتقام. وقد دفعه حقده هذا إلى التوجه إلى موسى بن نصير وحثه على فتح إسبانيا (?). وتذكر روايات أخرى أنه سار