أن جده قد ولاه ولاية عهد من بعده (?).
أما الدولة في الأندلس، فقد كانت في وضع عجزت معه عن ردع المغيرين على أطراف العاصمة قرطبة نفسها بعد أن تجاذبتها الأعاصير من كل صوب (?)، وتفاقم أمر التحدي الداخلي للسلطة مما أعطى للتحديات الخارجية فرصاً سانحة وسهلة لتحقيق ما كانت تبغيه من التوسع على حساب سيادة الدولة العربية، وهذه الظروف العصيبة التي عاشتها الدولة العربية في الأندلس لم تكن بغية الطامعين في الحكم، فقد كانوا تواقين بالإجماع ودون اتفاق مسبق إلى مساندة كل شخصية يتوسمون فيها الخصال التي تعيد مكانة الدولة السابقة داخلياً وخارجياً، فكان عبد الرحمن أقرب الشخصيات إلى هذه المواصفات، فتمت بيعته في نفس اليوم الذي توفي فيه جده، وكان رأس المبايعين له أمراء بني أمية الذين عبروا عن رأيهم فيه من خلال كلمة قصيرة ألقاها أحمد بن عبد الله (عم الأمير) (?) نيابة عنهم، وبدأها بقوله: " لقد اختارك الله على علم للخاص منا والعام، ولقد كنت أنتظر هذا من نعمة الله علينا ... " (?).
ثم بايعه كبار الموظفين في الدولة ووجوه القوم في قرطبة، وناب عنه بعض القواد والرؤساء لتلقي البيعة العامة في المسجد الجامع بقرطبة؛ وأرسلت الرسل لأخذ البيعة من الكور وولاة الأقاليم وكانت البيعة ضرورية خلال هذه الفترة من عصر الإمارة - وإن كانت طبيعية وواجبة في الظروف الطبيعية لفرز أهل الطاعة عن أهل العصيان الذين أبوا مبايعة الأمير والانقياد إلى سلطته، وظلوا محتفظين بمدنهم وحصونهم حكاماً مستقلين لا يعيرون أدنى اهتمام للعهد الجديد. وأول عمل قام به الأمير بعد اعتلائه كرسي الإمارة إعلان سياسته من خلال منشور عام وجه بالدرجة الأولى إلى العناصر المناوئة والخارجة على السلطة ويقوم المنشور في الأساس على مبدئين:
الأول:
التأكيد على التسامح وإسقاط كافة الجرائم التي اقترفت بحق الدولة وإعادة كافة