نشب القتال بالقرب من المصارة، وكانت المعركة قصيرة التحم فيها فرسان عبد الرحمن بالقلب والجناح الأيمن لقوات يوسف وهزموها. ومن هنا فقد فر من أرض المعركة خالد سودي وأتباعه من البربر والموالي، وقتل قادة المشاة الثلاثة المذكورين أعلاه. وقد حاول قائد الجناح الأيسر، عبيد بن علي الكلابي، أن يتدارك الموقف، لكنه لم يتمكن من الصمود أمام فرسان عبد الرحمن فقتل هو أيضاً مع الكثير من رجاله. ولم يكن أمام الصميل بن حاتم الكلابي سوى الهرب إلى جنده في جيان. أما يوسف الفهري، فقد فر هو الآخر من المعركة، وأراد الدخول إلى قرطبة، لكن منعه أحد قادة البربر فاضطر إلى الالتجاء إلى طليطلة أو البيرة (?).

بعد الانتصار دخل عبد الرحمن إلى قرطبة، ثم أدى صلاة الجمعة في مسجدها الجامع، حيث بايعه أهلها على الطاعة. وقد استغلت بعض العناصر في جيشه هذه الفرصة، وملكها الجشع فشرعت في نهب المدينة، وبشكل خاص، أماكن سكن يوسف الفهري والصميل وممتلكاتهما. هاجم اثنان من عشيرة طيء اليمنية مقر إقامة الصميل في شقندة، على مقربة من قرطبة، ونهباه، وأخذا من جملة الأشياء الثمينة صندوقاً يحوي عشرة آلاف دينار. وعندما علم عبد الرحمن بأعمال السلب والنهب التي جرت في المدينة، أمر بالكف عنها، وإعادة ما أخذ من الأموال إلى أصحابها. ولكن هذا الموقف لم يحظ بتأييد كل أنصار عبد الرحمن، وقد غضب اليمنيون واتهموه بالتعصب إلى قبيلته قريش. أما القادة العقلاء، فقد أخفوا عدم موافقتهم وقبلوا بموقفه، على الرغم من خيبة أملهم فيه. ويعود السبب في هذا إلى أن غرض اليمنيين الأول من تأييد عبد الرحمن كان التخلص من يوسف والصميل، والحصول على المزيد من المصالح والممتلكات نتيجة لتغيير النظام. ولكن موقف عبد الرحمن أثبت خطأ تقديراتهم. ومن هنا فقد أراد بعض قادتهم القيام بعمل سريع ضده والانقلاب عليه وعلى مواليه الأمويين، ليتمكنوا من الاستئثار بالأندلس وحدهم. وكان أبو الصباح اليحصبي، زعيم غرب الأندلس، من أهم القادة اليمنيين الداعين إلى هذا الأمر. ومع ذلك، فقد أُفشيت المؤامرة بسرعة إلى عبد الرحمن، فاتخذ إجراءات فورية لحماية نفسه ودولته الجديدة، فأنشأ شرطة، وعين عليها عبد الرحمن بن نعيم الكلبي، الذي كان ينتمي إلى قضاعة التي ظلت على ولائها له. وهذا أول منصب رسمي يتم إنشاؤه في عهد الأمير عبد الرحمن (?). واختار أيضاً

طور بواسطة نورين ميديا © 2015