كان عمرو بن لحي الخزاعي -كما تذكر الروايات- أول من ملك من خزاعة، وإن مكة بدأت تتطور في عهده، بعد أن كان شأنها قد انحط؛ بسبب ظلم جرهم واعتسافها الحجاج والتجار، حتى قل عدد الوافدين إليها منهم. وقد عمد إلى إقامة الولائم للحجاج، وتوفير الماء لهم في مواسم الحج، ليرغبهم في زيارة الكعبة وعبادة الأصنام. ذلك أنه كان أول من غير دين إبراهيم وبدله كما يقولون، إذ يروى أنه زار الشام، ورأى قومًا يعبدون الأصنام فأتى بصنم منها نصبه على الكعبة، وقويت خزاعة وعم ظلم عمرو بن لحي الناس. ولما أكثر عمرو من الأصنام حول الكعبة غلب على العرب عبادتها1، وامَّحت الحنيفية منها إلا قليلًا2. على أن أمر عبادة الأصنام، وامحاء ديانة إبراهيم بمجرد إحضار عمرو بن لحي صنما من الشام، وإقامته حول الكعبة تبدو غير معقولة، لولا أن تكون الحنيفية قد ضعفت في نفوس القوم. والواقع أنها ضعفت، فقد ذكر المسعودي "أن إلياس بن مضر، وقد شرف وبان فضله، كان أول من أنكر على بني إسماعيل ما غيروا من سنن آبائهم. وظهرت منه أمور جميلة حتى رضوا به ... فردهم إلى سنن آبائهم، حتى رجعت تامة على أولها"3.
وبقيت خزاعة تلي أمر مكة وكعبتها، وتُعَشِّر التجارة التي تمر بها، مدة قدرها المسعودي بثلاثمائة سنة، بينما قدرها ابن كثير بخمسمائة سنة، وروى الأزرقي الرقمين4، إلى أن نهض قصي بن كلاب فتزعم قريشًا، وجمع شملها ووحد بطونها المتفرقة في قبيلة كنانة، واستطاع أن يستولي على مكة، وأن يفرض سيطرته عليها، وكان ذلك على أغلب الظن في النصف الأول من القرن السادس الميلادي. أما خزاعة فلم تضمحل، وكانت في عهد الرسول بالمدينة محالفة له، ومنها بنو كعب وبنو المصطلق.