شبه الجزيرة. فشئون الدين والتجارة والأدب، كانت مرتبطة ارتباطًا وثيقًا في الجاهلية.
وأخيرًا, إن كثرة الجوالي الأجنبية التي كانت تقصد الحجاز من فرس وروم وزنوج وأحباش وغيرهم، يأتون للتجارة أو للعمل في البناء والزراعة والصناعة، بالإضافة إلى الهجرات التي كانت تتوارد باستمرار من اليمن، ومنها هجرة الأوس والخزرج إلى يثرب، وغيرهما من القبائل إلى الشمال، كان لها أثر كبير في توسع مكة وارتقائها.
إن الروايات عن تاريخ مكة من إسماعيل إلى قصي بن كلاب متناقضة، فيها كثير من الاضطرابات. فالمسعودي1 يذكر أن أول من نزل زمزم هم العماليق لا جرهم، فاستقروا في أسفل مكة "أجياد" ثم تبعتهم جرهم فنزلوا أعلاها "قُعَيْقعان" يُعشِّر كل منهما التجارة التي تدخلها من ناحيته، ثم احتربت القبيلتان فانتصر العماليق على جرهم، وتولوا شئون البيت، ولم تلبث جرهم أن غلبتهم، فتولت أمورها ثلاثمائة سنة، حتى إذا طغت وبغت أهلك الله معظمها، فاستقوى عليها بنو خئولتها أحفاد إسماعيل وطردوها2، واستعادوا ولايتهم على البيت، بينما يذكر ابن هشام أن ولاية جرهم قد استمرت إلى أن قدمت قبيلة أخرى من قبائل اليمن3، بعد انهيار سد مأرب، هي قبيلة خزاعة، فنازعت قبيلة جرهم، وانتصرت عليها، فأخرجتها من مكة، وحكمت مكانها، كما خرج منها أبناء إسماعيل حيث تفرقوا حول مكة وفي تهامة.