محمد بن حبيب إلى غسان، ولم يشر إلى تهوده. وهناك من يشك في القصة من أساسها، وأنها قد تكون موضوعة، يقول "ونكلر" Winekler: إن قصة الوفاء هذه إنما هي أسطورة استمدت من أسفار صموئيل الأول في التوراة. وقد جاءت أساطير العرب لتصوغها بهذه الصورة فتجعل بطليها شخصين: السموأل, وامرأ القيس1.
أما عن حضارة دولة كندة فإنها لم تترك من الآثار الحضرية شيئًا سوى ذكرى شاعرها الكبير امرئ القيس وقصائده الشهيرة، إذ لم يكن لها مدن ولا حصون ولا قصور جديرة بالخلود، إنما الذين قاموا عليها كانوا بدوا حافظوا على نظم البداوة وتقاليدها، واستعملوا الخيام مساكن لهم، ولم يستقروا في حاضرة معينة، أما ديانتهم فكانت وثنية، من أصنامهم ذو الخلصة. على أن اليهودية قد تسربت إلى بعضهم، لكن المسيحية قد انتشرت على نطاق واسع، فاعتنقها بنو تغلب وجماعة من أسد. غير أن قيام هذه الدولة يعد أول محاولة في شمالي شبه الجزيرة العربية لتكتل مجموعة من القبائل، حول سلطة مركزية لها زعيم واحد. لكنها فشلت بسبب افتقارها إلى المؤهلات التي تجعل منها دولة واحدة، ذلك الذي ستنجح فيه محاولة أخرى أقوى منها؛ لتوفر العوامل الفكرية والاجتماعية لا سيما قوة العقيدة التي جاءت بها، تلك هي الدعوة الإسلامية التي كانت كفيلة بأن تعيد لا إلى هذه القبائل وحسب، بل إلى جميع القبائل العربية في شبه الجزيرة وحدتها، وتنظمها في دولة واحدة وطيدة الأركان.