ورعايتهم للشعراء. ويروى أن جبلة بن الأيهم عندما اعتنق الإسلام دخل المدينة المنورة بموكب فخم وعلى رأسه تاج أجداده الذي تزينه لؤلؤتان كبيرتان بحجم بيضة الحمام، أصبحتا مضرب المثل في الأدب العربي، وكانتا فيما مضى قرطين لأم الحارث بن جبلة1. وقد خلد بلاطهم عددًا من شعراء الجاهلية الذين نالوا عطاياهم، وكان من هؤلاء الشاعر لبيد الذي حارب إلى جانبهم في يوم حليمة، والنابغة الذبياني الذي لجأ إلى بلاطهم إثر غضب النعمان أبي قابوس عليه، فقال فيهم قصائد عديدة, أخص بالذكر منها بائيته التي مطلعها2:
كليني لهمّ يا أميمة ناصب ... وليلٍ أقاسيه بطيء الكواكب
وهي التي مدح فيها عمرو بن الحارث، وبين فيها عظمة جيش الغساسنة النظامي، وكيف كان يسير في نظام كمشي الحدأ التوائم اثنين اثنين، وتتقدم الأدلة الجيش، والأعلام تخفق فوق رءوس الكتائب، تصاحبها عصائب الطير محلقة فوقها، تسير معها إلى حيث تقتات بجثث القتلى الذي تجندلهم في ساحة الوغى:
إذا ما غزوا بالجيش حلق فوقهم ... عصائب طير تهتدي بعصائب
يصاحبنهم حتى يغرن مغارهم ... من الضاريات بالدماء الدوارب
ومما جاء فيها من رائع المديح:
ولا عيب فيهم غير أن سيوفهم ... بهن فلول من قراع الكتائب
وقد نشأ في الحيرة، بفضل كونها عاصمة قائمة في موقع تجاري حساس، بعض الصناعات الراقية التي بلغت درجة كبيرة من الإتقان، وكان أرقاها صناعة النسيج