وقد امتاز كل من الغساسنة والمناذرة بثقافتهم الراقية، إذ أقام الغساسنة حضارة نمت وترعرعت في سورية بفضل العناصر الرومانية والآرامية واليونانية، وكانت مزيجًا من تأثيرات بيزنطية وساسانية، بينما نرى أن المناذرة قد تأثروا بالحضارة الفارسية واليونانية والآرامية. وكان لمعرفة أهل الحيرة اللغة الفارسية أثر في نقل الآداب الفارسية، كما كان لبعض أسراهم من الروم فضل في الإسهام بنقل علوم اليونان وآدابهم إليهم. وتقدمت الحيرة في الطب في أيام المناذرة، واحتفظت بشهرتها فيه حتى بعد قيام الدولة العربية الإسلامية، كما حفلت بالمدارس ومعاهد العلم. وقد قلد ملوكها مظاهر أبهة الساسانيين، ولبسوا التيجان، واستعملوا الحجاب على أبوابهم، وكان بلاطهم صورة مصغرة عن بلاط المدائن. وكان الملك يستعين في الحكم برديف "وزير" ويستند على قوة عسكرية بعضها نظامي، مثل كتيبتي "الشهباء" الفارسية و"الدوسر" العربية، وبعضها الآخر غير نظامي، إذ كانت تضم القبائل الموالية، وأهمها كتائب "الرهائن" و"الصنائع" و"الوضائع"1، وكان لها حصون تعرف باسم "المسالح" "مفردها: مسلحة".

أما بلاط الغساسنة فقد حفل بكثير من الجواري الروميات والمغنين، من مكيين وبابليين ويونان، وبموسيقيين من كلا الجنسين2. وقد حدثنا حسان بن ثابت عن فخامة قصورهم ومجالس شرابهم وجواريهم، وبذخهم وترفهم، وإسرافهم في شرب الخمر

طور بواسطة نورين ميديا © 2015