ذلك الأرباح الطائلة، إذ كان لهم أسطول تجاري يجوب موانئ الهند والصين والصومال وسومطرة وغيرها، وينقلون على متنه التوابل والأفاوية وغيرها من سلع الهند، وبعد أن يفرغوها في ساحل عمان يسيرون بها برًّا حتى البحر الأحمر، ومن هناك ينقلونها إلى مصر على ظهور السفن عن طريق البحر الأحمر.

كما سيطر السبئيون على الطرق التجارية التي تصل اليمن بالشمال، وهي التي تسير من مدينة شبوة في حضرموت إلى مأرب فمكة فالبتراء فغزة، وقد بقي رخاء السبئيين مستمرًّا لمدة طويلة، فزهدت بلادهم، وازدهرت واتسعت ثروتهم، واتجهوا إلى العمران فبنوا السدود والخزانات والقصور والهياكل والمعابد وأحاطوها بالأسوار وتفننوا في تزيينها وزخرفتها وتجميلها، وغرسوا الحدائق حولها، واستتموا أسباب القوة التي تميز بها عهد المكربين. وهكذا إلى أن برز في وجه حكام سبأ في العهد الملكي من ينافسهم من الأمم الأخرى، كالبطالمة حكام مصر الذين استطاعوا أن يجدوا لهم منفذا إلى البحر الأحمر فالمحيط الهندي، فلم تعد الملاحة في هذه الجهات حكرا للسبئيين، لا سيما وأن البطالمة قد استطاعوا إحياء القناة الفرعونية القديمة التي تصل النيل بالبحر الأحمر، فصارت سفنهم تجتازها وتسير برحلاتهم إلى هذا البحر، وحاولوا خوض غمار البحر الهندي، للوصول إلى أرض التوابل دونما حاجة إلى وساطة السبئيين، والحصول على التوابل والأفاوية التي كان الأوروبيون من سكان حوض البحر الأبيض المتوسط يقبلون على شرائها إقبالا شديدا. لكنهم فشلوا في تحقيق مآربهم لجهلهم سر تقلبات الرياح الموسمية، وخصائص المد والجزر في ذلك المحيط، إنما نجحوا مع ذلك في ارتياد البحر الأحمر وفي منافسة التجارة السبئية فيه؛ فانحط بذلك شأن السبئيين لزوال أهمية الطريق البري الذي كانوا يسيطرون عليه, وحل محله الطريق البحري من حيث الأهمية، إذ اتصل البطالمة بموانئه وبدءوا يتعاملون مع أهلها في التجارة. لهذه الأسباب تناقصت أهمية مدن سبأ، لتنتعش من التجارة البحرية المدن اليمنية الواقعة على شاطئ البحر الأحمر، الأمر الذي أدى إلى بروز أمرائها وازدياد نفوذهم، وكان من هؤلاء أذواء ريدان وأذواء حمير وغيرهم وبدأت المنافسة السياسية بين هؤلاء وبين ملوك سبأ، لا سيما وأن الوهن والانحطاط قد سلكا طريقهما إلى الدولة السبئية بسبب زوال العوامل الاقتصادية التي أدت إلى انتعاشها وازدهارها وقوتها -كما قدمنا- فاضطر قسم كبير من القبائل إلى النزوح عن البلاد، وتعاقب على العرش ملوك

طور بواسطة نورين ميديا © 2015