فلما كان من اليمامة على ثلاث، قَالَ له رياح: أبيت اللعن! إن لي أختا متزوجة في جديس، يقال لها: اليمامة، ليس على وجه الأرض أبصر منها، إنها لتبصر الراكب من مسيرة ثلاث، وإني أخاف أن تنذر القوم بك، فمر أصحابك، فليقطع كل رجل منهم شجرة فليجعلها أمامه ويسير وهي في يده، فأمرهم حسان بذلك، ففعلوا، ثم سار فنظرت اليمامة، فأبصرتهم، فقالت لجديس: لقد سارت حمير فقالوا: وما الذي ترين؟ قالت: أرى رجلا في شجرة، معه كتف يتعرقها، أو نعل يخصفها فكذبوها، وكان ذلك كما قالت، وصبحهم حسان فأبادهم وأخرب بلادهم وهدم قصورهم وحصونهم.
وكانت اليمامه تسمى إذ ذاك جوا والقرية، وأتي حسان باليمامة ابنة مرة، فأمر بها ففقئت عيناها، فإذا فيها عروق سود، فقال لها: ما هذا السواد في عروق عينيك؟ قالت: حجير أسود يقال له الإثمد، كنت أكتحل به.
وكانت فيما ذكروا أول من اكتحل بالإثمد، فأمر حسان بأن تسمى جو اليمامة.
وقد قالت الشعراء من العرب في حسان ومسيره هذا، فمن ذلك قول الأعشى:
كوني كمثل الذي إذ غاب وافدها ... أهدت له من بعيد نظرة جزعا
ما نظرت ذات أشفار كنظرتها ... حقا كما صدق الذئبي إذ سجعا
إذ قلبت مقلة ليست بمقرفة ... إذ يرفع الآل رأس الكلب فارتفعا