إن فضل علم التاريخ لا ينكر وفوائده تذكر فتشكر، وقد نوه به جمع المؤرخين في كتبهم، ولم أرد استيعاب ذلك لشهرته، وعلي أن قصدي الاختصار، والإتيان بكلام جديد، لعلي بذلك أفيد وإلا فشيخ التاريخ ابن خلدون رحمه الله قد أتى في خطبته في الموضوع بما هو كفاية لمن يريد أن يكتفي، وإنما رأيت كلامه وكلام غيره من السادة المؤرخين قد لا يفي بمقصودنا بسبب الحوادث التي لم تحدث لهم وذلك معنى قول عمر بن عبد العزيز رحمه الله تحدثون ويحدث لكم. وكذلك قول من قالوا بلزوم الاجتهاد في كل عصر وفي كل قطر. وعلى هذا فالذي حدث لنا والذي نجتهد فيه رد أقوال جمهور من أهل وطننا هذا ممن يظن منهم أنهم من أهل المعرفة فقهاء وطلبة العلم بأن علم التاريخ غير مطلوب وأنه قصص وأساطير الأولين كما قد أشرنا في الخطبة وأنه سهل ليس بأن يدرس إلى غير ذلك مما قالوا ولقد قالوا مثل ما قيل الأولون ما ذكر في القرآن وكفى هذا ردا عليهم ولكن لابد من زيادة بيان للاقتناع والارتداع فنقول:
المرأة تلد الرجل طفلا والتاريخ يجعله رجلا أن فضل علم التاريخ لا يحصر فيحد، ومنافعه لا تستقرأ فتعد، وإنما هي بالإجمال تميز الفضيلة من الرذيلة، والمحمدة من المذمة، والشجاعة من الجبانة، والشهامة من السفاهة، والنجابة من الدناءة، والكرامة من اللأمة، والرفعة من الحطة، والنباهة من البلاهة، والعبرة من العظمة، بل الحياة من الممات، إلى غير ذلك من المحاسن