فإنه لا استيطان مع التاريخ، فالمستوطن يريد استعمار الأرض، وأن يبيد أصحاب هذه الأرض تماما أو أن يلحقهم به ... لذلك أباد الأوروبيون في أمريكا حوالي 30 مليون ممن نسميهم اليوم الهنود الحمر وحطم ثلاث حضارات من حضاراتهم .. أما الأستراليين، فلم تبق منهم سوى بعض القبائل البدائية، وفي جنوب إفريقيا ابتدأت الكفة مع مطلع القرن العشرين ترجح للأفارقة الأصليين الذين لم تبق منهم سوى 25 مليون بعد أن شن الأوروبيون وفي طليعتهم الهولنديون حرب إبادة مستمرة منذ 3 قرون.
لكن المأزق الخطير الذي وقع فيه الاستعمار الاستيطاني الأوروبي والاستعمار عموما هو ما يمكن أن نسميه (بالمأزق العربي) .. فقد غزا هذا الاستعمار الجزائر عام 1830 لتكون أول أرض عربية تستعمر، ووجدها متخلفة تقنيا كجزء من التخلف الذي كانت عليه الدولة التركية، وكان الجزائريون مثلهم في ذلك مثل الشوام والعراقيين والليبيين والحجازيين واليمنيين والمصريين يناضلون ضد التخلف التركي واستبداد الأتراك باسم الإسلام. فقد ظهرت حركة القومية العربية في الجزائر في أواخر العشرينات من القرن التاسع عشر، وظهرت هذه الحركة في المشرق العربي في أربعينياته ... نعم لقد وجد الاستعمار التخلف في الجزائر، لكنه وجد التاريخ ... وجد الحضارة.
ومن المعروف أن الجزائريين غيروا وجهة مقاومتهم للتخلف المتمثل في سلطة الأتراك، نحو مقاومة الغزو الاستعماري الذي استهانت به السلطة التركية المحلية والمركزية في استانبول وأخذوا يبنون دولة المقاومة الفريدة من نوعها، بقيادة الأمير عبد القادر.