من اليونان بطعم الِاسْتِقْلَال والانضمام إِلَى مملكة اليونان المستقلة فحصلت عدَّة وقائع سَالَتْ فِيهَا الدِّمَاء بَين الْمُسلمين والمسيحيين وكادت الثورة تمتد بهَا لَوْلَا فضل تساهل وزراء الدول بعزل واليها وَتَعْيِين من يدعى سامي باشا مَكَانَهُ لتقرير الامن وارضاء المسيحيين من سكان الجزيرة فَرَجَعت السكينَة إِلَى ربوعها وامكن فؤاد باشا ان يُجَاوب سفراء الدول على ملاحظاتهم بِخُصُوص هَذِه الْمَسْأَلَة ان لَا حق لَهُم بالتداخل حَيْثُ لَا اضطراتات اَوْ قلاقل توجب هَذَا التدخل الْغَيْر الشَّرْعِيّ وبمجرد مَا انْتَهَت مَسْأَلَة كريد مؤقتا كَمَا هِيَ عَادَة الْمسَائِل الَّتِي توجدها الدول بدسائسها فِي شرقنا حدثت فِي مَدِينَة جدة نازلة اكثر اهمية من تِلْكَ وَهِي قيام الْمُسلمين بهَا على المسيحيين فِي يوليو من السّنة الْمَذْكُورَة 1858 وقتلهم بَعضهم واصابة قنصل فرنسا وكاتبه اصابة شَدِيدَة وَقتل زَوجته مِمَّا جعل بَابا للاوروبيين لرمينا بالتعصب الديني فَلَمَّا علم فؤاد باشا بِهَذِهِ الْحَادِثَة لم يشعها بل ارسل من يدعى اسمعيل باشا بِبَعْض الْجند لتحقيقها ومجازاة القاتلين بالاعدام بِدُونِ طلب تَصْرِيح من الاستانة كَمَا جرت بِهِ الْعَادة لَكِن قبل وُصُول هَذَا الْمَنْدُوب علمت الدول بِهَذِهِ المذبحة وارسلت فرنسا وانكلترا لائحة للباب العالي بالاشتراك يخبرانه بهَا انهما ارسلتا مراكبهما اليها بتعليمات شَدِيدَة فاجابهم فؤاد باشا بَان الدولة لم تهمل واجبها بل رخصت لاسماعيل باشا باجراء اللَّازِم وان الدولة مستعدة لتقدير التعويضات الْوَاجِب دَفعهَا لمن لحقهم ضَرَر بالاتحاد مَعَ من تعينهم الدولتان لهَذَا الْغَرَض
وَفِي هَذِه الاثناء اتى نامق باشا وَالِي مَكَّة إِلَى جدة وَقبض على الْمُجْرمين وحاكمهم فَحكم على كثير مِنْهُم بالاعدام لَكِن لم يُمكن تَنْفِيذ هَذِه الاحكام الا بعد اسْتِئْذَان الدولة وَفِي غُضُون محاكمتهم وصلت إِلَى ميناء جدة سفينة حربية انكليزية اسْمهَا سيكلوب وَطلب ربانها من نامق باشا تَنْفِيذ الحكم فَوْرًا وامهله اربعة وَعشْرين سَاعَة وان لم يعْدم الْمَحْكُوم عَلَيْهِم يُطلق مدافعه على الْمَدِينَة وَلما اجابه نامق باشا بِعَدَمِ امكانه اجابة طلبه سلط مدافعه على هَذِه الْمَدِينَة وَاسْتمرّ اطلاقه عَلَيْهَا نَحْو عشْرين سَاعَة وَلَوْلَا وُصُول السَّفِينَة المقلة اسماعيل باشا الْمَنْدُوب العثماني لدمرت الْمَدِينَة