تدريجيا حَتَّى يخْشَى مِنْهَا على وجود الدولة وَلَا يخفى انها ملاحظات صَادِقَة وَلَو انها صادرة من فرنسا طَمَعا فِي نوال غايتها وَهِي اذلال النمسا الا انه كَانَ يجب على رجال الدولة النّظر اليها بِعَين الِاعْتِبَار فان هَذِه فرْصَة لم تتجدد بعد لَكِن قَضَت التقادير الالهية ان لَا تصغي إِلَى هَذِه النصائح حبا فِي السّلم وَعدم اراقة دِمَاء الْعباد والاشتغال بالاصلاحات الداخلية وكتبت إِلَى الدول ذَات الشَّأْن تدعوهم للتصالح وَهَذِه سياسة صادرة عَن سياسات شريفة الا انها تعد من الغلطات المهمة الَّتِي عَادَتْ على الدولة بوخيم العواقب لانها اضاعت فرْصَة لَو انتهزتها لفازت بالقدح الْمُعَلَّى واسترجعت مَا فصل عَنْهَا من الفتوحات بِدُونِ كثير عناء
وَهُنَاكَ غلطة اخرى ارتكبها رجال الدولة وَهِي نزع السلطة فِي اقليمي الفلاخ والبغدان من اشراف الْبِلَاد خوفًا من تمردهم وطلبهم الِاسْتِقْلَال وَتَعْيِين بعض اغنياء الرّوم من تجار الاستانة قرالات ممتازين فيهمَا فِي مُقَابل جعل سنوي يدْفع للخزانة السُّلْطَانِيَّة وَكَانَت تُعْطى لمن يدْفع خراجا اكثر من غَيره وَظَاهر ان من يقدم على التعهد بِمثل هَذِه المبالغ الطائلة عازم وَلَا شكّ عل الْحُصُول على مَا يَدْفَعهُ اضعافا مضاعفة من دِمَاء الاهالي فاستبد هَؤُلَاءِ المعينون بالسكان وساموهم الذل والخسف وفتكوا بالاشراف الاصليين وَقتلُوا كل من خالفهم مِنْهُم وَبَاعُوا القاب الشّرف جهارا حَتَّى انقرضت اغلب العائلات الاثيلة فِي الْمجد وحلت محلهَا عائلات جَدِيدَة اغلبها من تجار الاروام الَّذين اشْتَروا الالقاب بِدَرَاهِم مَعْدُودَة وَكَانَت نتيجة هَذِه السياسة ان سئم الاهالي هَذِه السلطة ومالوا بكلياتهم إِلَى الروسيا ووجهوا انظارهم لَهَا معتقدين انها سَتَكُون منقذتهم من هَذِه الْمَظَالِم المستمرة وَلَو انصفت الدولة لجعلتها ولايتين بِدُونِ امتيازات تتناوبها الْوُلَاة فَمَا كَانَت تطمح إِلَى الِاسْتِقْلَال الاداري فالسياسي
وَفِي يَوْم الْجُمُعَة 27 صفر سنة 1168 13 دسمبر سنة 1754 توفّي السُّلْطَان مَحْمُود الاول بَالغا من الْعُمر سِتِّينَ سنة ماسوفا عَلَيْهِ من جَمِيع العثمانيين لاتصافه بِالْعَدْلِ والحلم وميله للمساواة بَين جَمِيع رعاياه بِدُونِ نظر لفئة دون اخرى وَكَانَت مُدَّة حكمه 25 سنة وَفِي ايامه السعيدة اتَّسع نطاق الدولة بآسيلا واوروبا