المماليك وخصهم بمزية جمع الْخراج فِي الْبِلَاد وقمع العربان وصدهم عَنْهَا والمحافظة على مَا فِي داخلها وكل ذَلِك بأوامر تصدر لَهُم من الْمجْلس وجردهم عَن التَّصَرُّف من انفسهم ولقب احدهم الْمُقِيم بِالْقَاهِرَةِ بشيخ الْبَلَد ثمَّ رتب الْخراج وقسمه اقساما ثَلَاثَة وَجعل من الْقسم الاول مَاهِيَّة عشْرين الف عسكري بالقطر من المشاة واثني عشر الْفَا من الخيالة وَالْقسم الثَّانِي يُرْسل إِلَى الْمَدِينَة المنورة وَمَكَّة المشرفة وَالْقسم الثَّالِث يُرْسل إِلَى خزينة الْبَاب العالي وَلم يلْتَفت إِلَى رَاحَة الاهالي بل تَركهَا عرضة للمضار كَمَا كَانَت وَمن هَذَا التَّرْتِيب تمكنت الدولة الْعلية من ابقاء الديار المصرية تَحت تصرفها نَحْو مِائَتي سنة ثمَّ اهملت بعد ذَلِك القوانين الَّتِي وَضعهَا السُّلْطَان سليم من حِين استيلائه عَلَيْهَا وَكَانَت هِيَ الاساس وَلم تلْتَفت الدولة لما كَانَ يحصل من المماليك من الامور المخلة بالنظام فضعفت شَوْكَة الدولة وهيبتها الَّتِي كَانَت لَهَا على مصر واخذ البكوات تكْثر من المماليك وتتقوى بهَا حَتَّى فاقت بقوتها الدولة العثمانية فِي الديار المصرية فآل الامر وَالنَّهْي لَهُم فِي الْحُكُومَة وَصَارَت الدولة صورية غير حَقِيقِيَّة وَسبب ذَلِك اكثارهم من شِرَاء المماليك وَلَو كَانَت الدولة الْعلية تنبهت لهَذَا الامر ومنعت بيع الرَّقِيق لكَانَتْ الامور بَاقِيَة على مَا وَضعهَا السُّلْطَان سليم وَلَكِن غفلت عَن هَذَا الامر كَمَا غفلت عَن امور كَثِيرَة وَمن ذَلِك لحق الاهالي الذل والاهانة وَهَاجَر كثير مِنْهُم إِلَى الديار الشامية والحجازية وَغَيرهمَا وَخَربَتْ الْبِلَاد وتعطلت الزِّرَاعَة من قلَّة المزارعين وَعدم الاعتناء بتطهير الجداول والخلجان الَّتِي عَلَيْهَا مدَار الخصب ونتج من ذَلِك وَمن خوف الدولة الْعلية من تمكن الباشا فِي الْحُكُومَة ان تغلبت البكوات وَصَارَت كلمتهم هِيَ النافذة وانفردوا بِالتَّصَرُّفِ اهـ
وَفِي اوائل شهر سبتمبر سنة 1517 سَافر السُّلْطَان سليم من الْقَاهِرَة عَائِدًا إِلَى الْقُسْطَنْطِينِيَّة الَّتِي صَارَت من ذَلِك الْوَقْت مقرّ الْخلَافَة الاسلامية الْعُظْمَى وَكَانَ سَفَره عَن طَرِيق بِلَاد الشَّام مستصحبا مَعَه آخر بني الْعَبَّاس وَعين خير بك واليا على مصر وَهُوَ اُحْدُ امراء المماليك الَّذين خانوا طومان باي وانضموا اليه وَترك