استعدادات التجهيز:
هدأت رياح الحرب بعد فشل التحكيم، ولم يكن أمام علي سوى العودة إلى القتال، وبخاصة أن التحكيم لم يسر وفق أمانيه، ولا وفق ما يعده الطريق الصحيح، وبما أنه انتهى، فوق ذلك، إلى خلاف بين الحكمين، فإنه عد نفسه متحللًا من وثيقة صفين التي تضمنت إزالة الحرب نهائيًا من قلب الأمة، ونزل بالنخيلة1 حيث اتخذها قاعدة لتجمع قواته2، لكن اعترضته عدة صعاب، فإذا كان قرار السلم قد جاء نتيجة اختراق معاوية لجيشه، وانحياز قسم كبير منه إلى التحكيم؛ فقد وجد نفسه الآن أمام انشقاق آخر تمثل بانسحاب بضعة آلاف من جيشه متذرعين بأن الحكم لله، والواقع أن الخلفة، كان يعاني إحباطًا بسبب خروج هؤلاء، وتعذر عليه تعويض النقص الذي تعرض له، وبالتالي إعادة تنظيم جيشه على نحو يؤهله لاستئناف الحرب ضد معاوية3.
لذلك، حاول استرضاء الخوراج، فطلب منهم العودة إلى الكوفة للمشاركة معه في الحرب ضد معاوية، وذكرهم بالانحياز بداية إلى التحكيم "ألم تعلموا أني نهيتكم عن الحكومة، وأخبرتكم أن طلب القوم إياها منكم دهن ومكيدة؟ "4، وقال لهم بأن الحكمين لم يحكما بمقتضى القرآن، وأنه يدين حكمهما، وبالتالي ليس هناك أي سبب للخلاف.
لم يرفض الخوراج طلبه بشكل مباشر، وإنما شرطوا شروطًا لعودتهم هي إلى الرفض أقرب "إنك لم تغضب لربك وإنما غضبت لنفسك، فإن شهدت على نفسك بالكفر، واستقبلت التوبة، نظرنا فيما بيننا وبينك، وإلا نابذناك على السواء، إن الله لا يجب الخائنين"5، وعندما قرأ علي هذا الرد يئس منهم، ورأى أن يدعم، ويمضي بالناس إلى الشام، فقطع بذلك التحالف معهم بكشل نهائي، وحتى يعوض بعض